[author image="http://alwatan.com/styles/images/opinion/abdalahabdelrazak.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. عبدالله عبدالرزاق باحجاج [/author]
نطرح التساؤل في ضوء ما حدث مؤخرا في ولاية صحار من واقعة أودت بحياة احد ابنائها الذي ينتظره مستقبلا واعدا، وينتظر منه وطنه الكثير بعد أن كشف عن نفسه بأنه رقم ايجابي في ذاته ومنتجاته، فقد كان يعمل مدرسا ولديه موهبة الشعر يمكن أن يذهب بها بعيدا، وكان شابا مستقيما تفتخر به ولايته كثيرا، وفجأة ذهبت عنا هذه الذات وتحطمت آمالنا في انتاجاتها التي يمكن أن تثري مسيرتنا التعليمية والفكرية، والسبب؟ لن نقول الاستهتار بأرواح الناس والممتلكات الخاصة والعامة، بل هي أكبر من هذا التوصيف، وقد يدخل الفعل في سياقات الجرائم المقصودة بذاتها لذاتها إذا ما تم تكييف تداعيات ظاهرة التفحيط داخل المدن والشوارع وكان لها اسانيد قانونية.
وكلنا نتمنى فتح هذه القضية بشيء من التفاصيل المعمقة، لكننا لم نلق التجاوب النهائي من اهالي الضحية رغم مبادرة وموافقة بعضهم الأولية، ونحن هنا سنتناولها من منظورها العام الذي يمكن أن يخدم المصلحة العامة كظاهرة عامة دون أن تكون مقتصرة على ولاية أو محافظة معينة، نتناولها لعلنا نساهم في منع سقوط ابرياء جدد، فمن حيث المبدأ العام، يمكن القول إن هذه الضحية كانت نتيجة ظاهرة التفحيط أو التخميسات في تلك الولاية وتحديدا في منطقة الطريف، فقد اعتاد مجموعة من الشباب المستهترين بالأرواح والممتلكات ممارسة التفحيط في هذه المنطقة رغم معارضة أهلها المتكررة ومن بينهم الضحية رحمه الله الذي كان أكثرهم معارضة واشدهم على اعلان معارضته، وبعد أن أدى صلاة الفجر جماعة، فإذا أحدهم يدهسه بسيارته بعيد خروجه من المسجد، لاحظوا معنا هنا التوقيت؟ وعلاقته بنية الفعل (..)؟ ولاحظوا معنا كذلك الشخص المستهدف وموقفه المعارض الدائم لممارسة التخميسات؟ فلو لم يكن معارضا، هل كان هدفا مستهدفا؟ والمسألة المحيرة هنا، تكمن في خلفية التفكير ووسيلة التنفيذ ومكانه وزمانه وجرأة ارتكابه، كل مسألة من تلك المسائل تطرح قضايا ليس لها من تحليل سوى أن المستهترين قد تركوا حتى استقووا، ومن ثم اغتروا وظنوا أنهم فوق القانون وبعيدا عن الرقابة وثم المحاسبة والمساءلة، ففقدوا الضمير والإحساس تحت وطأة قوة التخميس والعنف المصاحب له وربما أكثر من ذلك، وهذا النوع من الشباب نجدهم في كل محافظات البلاد على شكل (شلليه) اي ليس كل الشباب ولا نصفهم ولا ربعهم .. بل هم قلة مرعبة، ويبثوا رغم قلتهم القلق بعد حادثة منطقة الطريف وحوادث مميتة وقعت في العديد من المحافظات، فلو عارضنا هذه الظاهرة داخل أحيائنا السكنية ربما نكون مستهدفين؟ هكذا تعطينا حادثة الطريف هذا الاستنتاج الجغرافي العام، وهذا عنف يجب أن يدان فورا ويعاقب مرتكبيه ومن يتواطأ معهم وكذلك المقصرين في تطبيق القانون، من هنا، فإن التساؤل الذي عنونا به المقال لا يخص سلطة محلية دون أخرى بل إن كل السلطات المحلية معنية به، لأن ظاهرة التفحيط عامة، وعندما نشاهدها في أي محافظة أو ولاية ليلا أو نهارا فسوف يكون هذا مؤشرا على ضعف الفاعلين داخل السلطات المحلية، فقوة السلطة من قوة فاعليها وليس العكس، وهيبة السلطة تكمن في قدرتها على الرقابة في الوقت المناسب والمساءلة المباشرة وانزال العقاب الرادع، فلو وجد المستهترين سلطة قوية رادعة لما وصلت تداعيات الظاهرة إلى الأرواح وتدمير الممتلكات، وواقعة الطريف ليست الوحيدة، فكم من حادث مروري سببه الظاهرة، وقد تكون السلطات ضعيفة ليس في مجال القاء القبض على المستهترين وإنما في مجال عدم قدرتها على ممارسة تطبيق القانون عليهم عندما يتدخل اصحاب النفوذ من شيوخ واعيان وكبار المسئولين للإفراج عنهم، وإذا لم نقف كلنا مجتمعا وحكومة ضد هذه الظاهرة، فإننا سندخل في مستنقع قد يخرجنا عن السيطرة عليه، بازدياد اعداد المستهترين من الشباب، وسوف يتولد عندنا جيل من الشباب يستوي عنده الموت والحياة، وترخص عنده في المقابل حياة الناس مقابل اشباع رغبة التفحيط الجنونية وربما الانتقام من معارضيها أيا كانت مواقعهم ومستوياتهم، إنه الرعب الذي سيجد في النفسيات ما تخشاه وتتواطأ معه خوفا ورهبة، والتساؤل الافتراضي الذي ينبغي أن يطرح هنا، هو، هل من يدهس شخص بعيد خروجه من صلاة الفجر ومعروف عنه أنه من أشد المعارضين للتخميس هل هي حادثة طبيعية؟ وهل ينبغي أن تمر علينا كأي حادثة أخرى؟ القصة تحتمل الكثير من الأمور غير الطبيعية، فهذه منطقة عقل، والعقل يقول إن ترك ظاهرة التفحيط في مختلف ولاياتنا دون ردع فوري سوف تتشكل وتتولد عنها تداعيات تمس بأرواح الناس وممتلكاتهم، وبالعقل لن يلجأ المستهترون إلى سحب حق الناس في الحياة بصورة علنية ومكشوفة،، مكانا وزمانا،، لمجرد انهم يختلفون معهم أو حتى دون قصد، وبالعقل كيف يمارس ظاهرة التفحيط في تلك الزمنية المبكرة جدا، وهذا يدفع بنا الى قوة الاستنتاج الذي اشرنا اليه سابقا، وهو ان وراء مثل ارتكاب مثل تلك الأفعال خلفيات وابعاد بعيدة كل البعد عن اي تفسير طبيعي لها، بحيث لا يمكن أن يجمد قوة العنف المتولد عن ظاهرة التخميسات العقل ويدفع بها إلى افعال تمس حق الناس في الحياة، فهذا فوق قوة العقل، إذن، الحادثة نفسها تدق جرس التحذير من التراخي في ممارسة الفعل الأمني للحيلولة دون وقوع تداعيات ظاهرة التفحيط إذا كانت ستودي إلى إزهاق الأرواح، فهي تحمل في متونها عدة رسائل عاجلة لسلطتنا السياسية، ولعل ابرزها قوة السلطات المحلية بعد دخولنا مرحلة تداعيات احداث 2011 من جهة، والخوف كل الخوف من انضمام المزيد من شبابنا لممارسة الظاهرة في حالة التراخي وفي حالة الفشل في القضاء عليها مهما كانت الأسباب من جهة ثانية، والخوف كل الخوف كذلك من أن يكون وراء تصاعد العنف المتولد عن الظاهرة خلفيات وابعاد خطيرة هي التي تجعل ذهنية المستهترين يستوي عندها حياة الناس وممتلكاتهم من جهة ثالثة.
إذن، التفحيط هي قضية كبيرة تختزل بداخلها مجموعة قضايا، مرورية، أمنية واجتماعية، واسرية تحديدا، واعلامية .. اي وطنية في العموم، وبالتالي لا يمكن السكون عليها، وقد فشلت الاسر بامتياز.. كما فشلت الجهود الرسمية المختصة حتى الآن في القضاء بصورة مرضية على الظاهرة، وأمام هذا الفشل المشترك، فإننا ندعم مقترح خالد بن علي الذي كان أول من فتح هذه الواقعة عبر احدى صحفنا المحلية، ونتفق معه بأننا بحاجة إلى خطة وطنية للقضاء على هذه الظاهرة في كل محافظات البلاد بصورة متزامنة على أن نقوم باختيار ومن ثم اعداد الأطر الرقابية والردعية التي ستقوم بعملية تطبيق الخطة مع التشديد في العقوبات، واعتبار كل من يتدخل في تطبيقها متواطئا مع المستهترين على أن يكون اعلامنا الرسمي بشقيه الحكومي والأهلي داعما لهذه الحملة الوطنية حيث شرحها ونقلها للرأي العام، وتوضيح مدى جدية وصدقية ومصداقية الحملة الوطنية للقضاء على ظاهرة التفحيط، والا، فإن بلادنا أمام عنف جديد مغيب العقل وفاقد الإرادة .. وفاعليه سوف يتزايدون .. فهل سنجعل من واقعة منطقة الطريف سببا لتدشين الحملة الوطنية، وتكون ضحيتها آخر ضحايا الظاهرة في بلادنا؟ وهذا كله سيكون مرتبطا بقوة السلطات المحلية، وهي تكمن أي القوة في قدرتها على الفعل في الوقت المناسب وتطبيق القانون على الكل.