يترقب الفلسطينيون ومعهم العرب بفارغ الصبر الخطوات العملية المنفذة لاتفاق المصالحة الذي وقعته كل من حركة فتح وحركة حماس في قطاع غزة، والمؤكدة لمصداقية الاتفاق، وحسن النيات لدى قيادات الحركتين.
وما من شك أن من يسمع أو يقرأ التصريحات الصادرة عن قيادات فتح وحماس، تنتابه مشاعر مختلطة بين التفاؤل والأمل والحذر من عثرة في منتصف الطريق تطيح بالاتفاق وتعيد ليس الحركتين وحدهما، وإنما الشعب الفلسطيني الذي سئم الانقسام إلى المربع الأول.
فالجميع تبدو عليهم علامات البِشر والثقة والعزم وهم يتحدثون عن التقدم والنتائج الإيجابية والخطوات العملية نحو وأد الانقسام وتطليقه بالثلاث وإثبات المصالحة وإركاز ركائزها على التراب الفلسطيني. وقد برزت هذه العلامات واضحة على محيا قيادات حركتي فتح وحماس أمس وهم يعلنون توصلهم لاتفاق على أسماء الوزراء المتوقع مشاركتهم في التشكيلة النهائية، لحكومة التوافق الفلسطينية، متوقعين ولادتها من رحم الاتفاق بصورة رسمية يوم غد الخميس بإعلان يصدره الرئيس الفلسطيني محمود عباس، مؤكدين أنها تشكيلة شاملة كافة الفصائل والقوى الفلسطينية دون استثناء، مع وجود بعض الخصوصية لحركتي فتح وحماس، وأن هذه اللحظة هي انطلاقة تاريخية، من أجل إنهاء الانقسام، وأنها ستكون هي العنوان الأبرز لإنهاء الانقسام وفتح صفحة جديدة للتاريخ والوطن.
إن مثل هذه التصريحات ـ لا ريب ـ ترفع معنويات الفلسطينيين والعرب المتطلعين إلى وحدة فلسطينية شاملة ناجزة، تطوي صفحات الماضي السوداء، وتنفض غبار الانقسام الذي أحدث ضبابية واسعة أسهمت في تعميق الشرخ في المجتمع الفلسطيني، وأعطت العدو الإسرائيلي فرصًا ذهبية مكَّنته من ضرب خيارات النضال الفلسطيني والمشروع الوطني التحرري الفلسطيني في مقتل بتأجيج العداء بين الفلسطينيين واستخدام كافة الوسائل للإبقاء على الانقسام ليتسنى للعدو الإسرائيلي مواصلة ما بدأه من مشاريع استعمارية تصفوية للقضية الفلسطينية وشطب فلسطين وشعبها من الخريطة السياسية ومن التاريخ، ويعد أقوى دليل على ذلك، شروطه التعجيزية في أي مفاوضات مثل شرط الاعتراف بما يسمى "يهودية الدولة" وشرط رفض عودة اللاجئين وشرط رفض الاعتراف بحدود عام 1967م ورفض الاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية المنتظرة.
لذلك وإزاء هذه الصفحات المأساوية والسوداء للانقسام في تاريخ النضال الفلسطيني، يحق لجموع الشعب الفلسطيني وعموم الشعوب العربية أن ينتابها القلق والخوف من العودة إلى المربع الأول والإصابة بخيبات أمل، خاصة وأن هذه الجموع لا تزال ذاكرتها متقدة بمحاولات رأب الانقسام الماضية ومآلاتها المرتدة حسرة وخيبة على الأنفس ودمارًا على الأرض الفلسطينية.
اليوم هناك أسباب التصالح والوئام وخيارات الوحدة والتحرر أكبر وهي أسباب يفترض بها أن تكون جامعة لمكونات الشعب الفلسطيني، فقد ثبت للعالم وليس للفلسطينيين أنفسهم بأن المفاوضات كانت على الدوام عبثية ومضيعة للوقت واستثمارًا إسرائيليًّا لنهب الحق الفلسطيني، وبأن الانقسام أعطى الظروف اللازمة لهذا الاستثمار لأن يروج وينمو على النحو الذي يراه الجميع، إن قيام حكومة الوحدة الوطنية هي العنوان الأبرز على صدق النيات وعلى حقيقة الاتفاق وواقعيته.