قاطرة التنمية ربطت النهضة بالنفط.. والتحديات المعاصرة عرقلت التكامل العربي ــ القطاعات الإنتاجية بإمكانها الارتقاء للعالمية بالمعاصرة والتدريب والابتكار والاستثمار ربط الإنتاج الزراعي بصناعات تعتمد على طبيعة مخرجاته كفيلاً بتعزيز تنافسية بعض البلدان في الأسواق التصديرية تدني الوضع التنافسي لقطاعات الصناعة العربية في مواجهة منافسة المنتجات المستوردة من التكتلات الاقتصادية والغرب أبرز العراقيل التي تعوق تقدمها اختلاف القوانين والتشريعات المتعلقة بالاستثمار بين الدول العربية يعد أحد المعوقات أمام نجاح محاولات التعاون والتنسيق والتكامل في المجالات الاقتصادية والصناعية

[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/uploads/2016/04/ayman-hussien.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]أيمن حسين
مراسل الوطن[/author]

تراجع أسعار النفط وتأثر اقتصادات البلدان العربية ـ خاصة المنتجة للنفط ـ بهذا التراجع، دفع معظمها إلى البحث عن موارد بديلة تضاف لنواتجها الإجمالية، ولعل أهم مورد بديل متاح هو التنمية الصناعية التي تعد أهم ركائز حركة النمو الاقتصادي الشامل في الوطن العربي ومنطقة الشرق الأوسط والخليج، حيث تلعب الصناعة بكافة أنواعها دورا مهما في الاقتصاد العربي كغيره من الاقتصادات العالمية الأخرى، فهي قاطرة التنمية الحقيقية وطريق الوصول لمستويات معيشة مرتفعة، فالتصنيع يضمن زيادة القيمة المضافة للمدخلات من المواد الخام وتساعد علي الاكتفاء الذاتي من السلع والمنتجات بجانب تحسينها نسب الموازين الاقتصادية، والتشغيل، وتأمين فرص عمل للأجيال المقبلة .

منظور تاريخي
كانت الاقتصادات العربية في مطلع خمسينات القرن الماضي تعتمد على الإنتاج الزراعي، وتصدير المواد الأولية، وتمكنت بلدان من الاستفادة من صادرات القطن مثل مصر وسوريا، وصدر العراق التمور والحبوب، وتمكن السودان من تنمية المواشي وتصديرها، وبدأ عدد من البلدان العربية مثل العراق والسعودية والكويت بتصدير النفط الخام إلى العالم بعد توافقها على عمليات الإنتاج مع شركات نفطية أميركية وبريطانية وفرنسية.
وأثار السياسيون في مختلف البلدان العربية خلال السنوات الستين الماضية مسألة أهمية إقامة الصناعات من أجل الانتقال باقتصاديات بلدانهم من التخلف إلى التطور والتحديث، واستُخدِمت قضية الصناعة كمحور أساسي في التغيرات السياسية والاجتماعية، ولم تتوقف الوسائط الإعلامية لمختلف القوى السياسية عن طرح هذه المسألة، وكونها المنقذ للشعوب العربية من الجهل والتخلف ومستويات المعيشية المتواضعة.
فلسفة عالمية
فلسفة التصنيع العالمية ركزت على أهمية الصناعات الثقيلة مثل الحديد والصلب والألمونيوم، ثم كانت هناك الصناعات البتروكيماوية؛ لكن لم يجرِ التيقن من صلاحية هذه الصناعات بموجب متطلبات ومعايير الميزة النسبية في البلدان العربية، فالعديد من الصناعات الثقيلة المقامة استهلكت الطاقة والجهود دون أن تكون ذات أهمية اقتصادية، وثبت عدم قدرة العديد من هذه الصناعات على مواجهة المنافسة مع المنتجات الأجنبية التي تتمتع بتكاليف اقتصادية مناسبة وجودة عالية.
واستنفدت تلك الصناعات تمويلات حكومية وغير حكومية في أكثر من بلد عربي بجانب الدعم والحماية التي يمكن أن تترجم إلى تكاليف اقتصادية ولذلك لم تتمكن صناعات في بلدان كالجزائر والعراق وسورية والسودان من تحقيق إيرادات سيادية تحسن أوضاع موازين المدفوعات لفترة طويلة وأقيمت صناعات مكلفة مثل صناعات السيارات التي لم تؤد إلى الاستغناء عن استيراد السيارات.
صناعات عربية
وكانت هناك صناعات مهمة معتمدة على المواد الخام المتوافرة في عدد من البلدان العربية وتوافر الأيدي العاملة غير المكلفة، ومن تلك الصناعات الملائمة كانت صناعة النسيج في مصر وسوريا، حيث نجح كلا البلدين في تبؤ مواقع مهمة في تصدير أفضل أنواع القطن والنسيج إلى البلدان المستهلكة لكن القلاقل السياسية أدت لتراجعها، كذلك كان هناك تصنيع الحمضيات في بلاد المغرب وغيرها من مواد غذائية في بلاد الشام.
يضاف إلى ذلك أن تكرير البترول كان أساسياً في البلدان النفطية حيث تتوافر المواد الخام ويمكن التحكم بالتكاليف بما يمكن من تصدير المكررات والمشتقات بأسعار تنافسية فنشأت صناعات مربحة للبتر وكيماويات.
تراجع
ويؤدي ربط الصناعة بعلاقات مع مصادر المواد الخام إلى إيجاد أعمال اقتصادية أكثر نجاحا وأدى الاهتمام غير المسئول بالتصنيع لدى بعض السياسيين والحكومات بالمنطقة إلى إهمال إمكانيات القطاعات الأخرى بل أحيانًا إلى تخريبها في العديد من البلدان لعدم وجود خطط وسياسات واضحة بجانب تفشي صور الفساد.
ومن أهم القطاعات التي عانت تلك التوجهات الفجة قطاع الزراعة الذي كان يمكن أن يرتقي بمساهمته في الناتج المحلي الإجمالي العربي لو أمّنت غالبية الحكومات الأموال الكافية من أجل توظيف آليات إنتاجية جديدة والارتقاء بمستوى التقنيات المستخدمة وعملت على تحسين ظروف العمل للفلاحين وتحصين الخدمات التي تتطلبها عملية تعزيز الرعاية الصحية والتعليم بما يمكن من رفع مستوى نوعية الحياة بينهم.
وكان ربط الإنتاج الزراعي بصناعات تعتمد على طبيعة مخرجات ذلك الإنتاج كفيلاً بتعزيز تنافسية بعض البلدان في الأسواق التصديرية لكن غالبية الأقطار تبقي خارج المنافسة. يضاف أن الاهتمام بالزراعة كان سيؤدي إلى الاكتفاء الذاتي بسلع أساسية خصوصاً المواد الغذائية ويخفض من فاتورة الاستيراد.
تحديات راهنة
بالنظر إلى غالبية أنواع الصناعة العربية في الوقت الراهن نجد أنها تتسم بضعف تشابكها مع بعض القطاعات في الاقتصاد الوطني لكل قطر عربي سواء كانت إحلالية أو تصديرية لأن السياسات الاقتصادية والقطاعية التي نفذت في دول المنطقة طيلة العقود الأربعة الماضية لم تصل إلى إقامة علاقات تبادلية قوية بين الصناعات القائمة من ناحية وبينها وبين القطاعات الاقتصادية الأخرى من ناحية أخرى مما أثر سلبا على الهيكل الإنتاجي للاقتصاد العربي ككل وقلص قدرته على دفع عجلة التنمية.
ولم تتمكن الصناعة العربية حتى الآن من توجيه نسبة أكبر من المخرجات الزراعية نحو التصنيع المحلي وتحويل بعضها إلى منتجات استهلاكية أو غذائية في إطار الصناعات الغذائية، حيث يلاحظ أن القطاع الزراعي العربي ما زال يركز بصورة أساسية على إنتاج محاصيل تفي بأغراض التصدير أكثر من تلبيتها لحاجات الصناعة المحلية والاستهلاك المحلي من السلع الغذائية مما قلص فاعلية الصناعات الغذائية المحلية القائمة التي تتعرض إلى نقص السلع الغذائية اللازمة في كثير من المواسم واتجاهها في كثير من الحالات إلى استيراد المواد الأولية الزراعية اللازمة لها من الخارج.
كما أن المخرجات الصناعية المستخدمة في القطاع الزراعي كالآلات والمبيدات والأدوات الزراعية المختلفة ما زالت محدودة ولا تفي بحاجة الزارعة في المنطقة. وأن ما يصنع من الآلات والمعدات والجرارات يتم في صناعات تجميعية تختص بالمرحلة الأخيرة للسلعة المجمعة بحيث لا تحقق للاقتصاد المحلي إلا قيمة مضافة ضئيلة ولا تساعد على بناء قاعدة صناعية محلية متكاملة مع متطلبات القطاع الزراعي.
وكذلك فالصناعة التحويلية العربية ليست متكاملة مع فروع الصناعات الاستخراجية داخل القطاع الصناعي إذ لا يدخل من مخرجات هذه الصناعة في الصناعة التحويلية المحلية إلا نسبة ضئيلة منها كخامات النفط والفوسفات والحديد التي يصدر معظمها للخارج كمواد أولية.
قطاع البناء والإسكان في كثير من الدول العربية على الرغم من اعتماده على الإنتاج الصناعي المحلي في توفير احتياجاته من الحديد والأسمنت والأدوات الصحية والزجاج إلا أنه يتجه إلى الاستيراد من الخارج من هذه السلع نفسها ومن سلع أخرى كثيرة يمكن تصنيعها محليًّا.
ولعل القطاع السياحي العربي لا يعتمد بدرجة كبيرة على الصناعات الخشبية والمفروشات المحلية بل إن معظم الفنادق تعتمد في تجهيزاتها على الاستيراد من الخارج.
فقدان التنافسية
ومن أبرز العراقيل التي تعوق تقدم الصناعة العربية تدني الوضع التنافسي لقطاعاتها في مواجهة منافسة المنتجات المستوردة من التكتلات الاقتصادية والغرب فالصناعة العربية غير متطورة في العديد من قطاعاتها وفروعها إذا ما قورنت بالدول الصناعية المتقدمة.
وتبدو الدول العربية غير النفطية حاليا تنتهج سياسة الإحلال محل الواردات والإنتاج للسوق الداخلي كأسلوب مفضل للتصنيع مستندة على سياسة تجارية حمائية. كما أن غالبية البلدان العربية تلجا إلي رفع الأعباء الجمركية وغير الجمركية حيث أن السياسة التجارية الحمائية في أغلب دول المنطقة إحدى مشاكل الصناعة العربية لما يترتب عليها من ارتفاع تكلفة الإنتاج وانخفاض القدرة التنافسية للمنتج الوطني محليا وعالميا.
وهناك صورة أخرى للإخفاقات الصناعية بالوطن العربي تتمثل في ضعف العلاقات التشابكية الصناعية مما يؤدي إلى توجه النشاط الصناعي المحلي نحو التزود من الخارج ويترتب عليه حرمان الإنتاج الصناعي من فرص للنمو الصناعي والتشغيل ويؤدي إلى استنزاف الثروات الطبيعية دون مردود مرتفع على القيمة المضافة والنمو الصناعي المستدام. وأيضا يتواكب هذا مع ضعف الالتزام بمعايير ونظم الجودة والمواصفات القياسية والبيئية للسلع والمنتجات الصناعية وهو الأمر الذي يترتب عليه انخفاض قدرة الصناعة العربية على النفاذ إلى أسواق الدول المتقدمة وتراجع القدرة على منافسة المنتجات الأجنبية.
ويبقي دائما هناك نقطة ضعف في القدرة التكنولوجية العربية تؤدى لعدم استكمال نظم التطوير الداخلي للمصانع وضعف الابتكار والإبداع إلا أن أغلب الصناعات العربية باتت تعتمد على حقوق المعرفة المقدمة من الشركات العالمية وأحيانا مشروعات جاهزة مما أدى إلى عجز الصناعة عن مواكبة التطور التكنولوجي السريع.
صعوبات إقليمية
تعكس هياكل الصادرات العربية درجة عالية من التشابه مع إتباع معظم الدول بالمنطقة لسياسات التوجه الداخلي وسياسة الأنماط الصناعية التي تخدم السوق المحلي إضافة إلى انخفاض درجة التكامل واللجوء إلى استيراد مستلزمات الإنتاج من الخارج فتتماثل إلى حد كبير الهياكل الإنتاجية الصناعية للدول العربية النفطية وكذلك الحال بالنسبة للدول غير النفطية.
وهناك تباين للقواعد الإنتاجية الصناعية بين الدول العربية يتضح من القيمة المضافة عبر حجم القاعدة الصناعية التحويلية حيث تتركز معظم القيمة المضافة الصناعية للقطاع التحويلي في الوطن العربي في عدد محدود من دول المنطقة.
ولعل اختلاف القوانين والتشريعات المتعلقة بالاستثمار بين الدول العربية يعد أحد المعوقات أمام نجاح محاولات التعاون والتنسيق والتكامل في المجالات الاقتصادية والصناعية فتلاؤم التشريعات يسهل صور الاندماج لتكوين تكتل يحظي بمكانة عالمية. هذا بجانب ضعف مناخ الاستثمار في الحياة العربية بسبب ضعف جاذبية المنطقة للاستثمار عامة والاستثمار الصناعي بشكل خاص مما يحول دون توسيع قاعدة الإنتاج.
مقترحات وحلول
حتى يتم النهوض بالسياسات الصناعية العربية لجني ثمارها على خريطة التنمية بالمنطقة يجب تفعيل عدة مبادئ:
أولاً: تعديل القرارات الحكومية المتعلقة بالسياسات الصناعية التي لا تتوافق مع الظروف العملية التي تعيشها الشركات ورجال الأعمال.
ثانيًا: التركيز على تدريب العاملين وإعداد الخريجين لسوق العمل بإكسابهم المهارات المناسبة عن طريق مناهج دراسية حكومية تلائم حاجات الصناعة.
ثالثًا: توفير الخدمات المصرفية والموارد المالية والتقنية بصورة كافية لدعم المصنعين وجذب المستثمرين.
رابعًا: توفير قاعدة معلومات وضمانات لأصحاب المشروعات تمكنهم من وضع يدهم على الفرص الجديدة وينبغي للسياسة الصناعية أن تكون موجهة نحو تشجيع عمليات البحث التي يقوم بها القطاع الخاص بصورة تنافسية.
خامسًا: تقديم الدعم ومتابعة الأداء من قبل الأجهزة الحكومية لشركات القطاع الخاص من أجل توجيه أنشطة الاستثمار والأعمال التجارية إلى مجالات الصناعة ذات الأهمية بالنسبة إلى النمو الطويل الأجل وتوليد فرص العمل.
سادسًا: تقييم المشاريع والشركات العامة والخاصة من قبل الحكومات والمساءلة بشكل دوري وإزالة العقبات التي تعترض سبيل التنمية الصناعية من خلال التشاور مع الشركات المحلية ومنظمي المشاريع المحليين والمستثمرين الخارجيين لتحديد الخطوات الضرورية لحفز التقدم.
سابعًا: إدخال تحسينات على الهياكل الأساسية والبنية التحتية العربية لخدمة المصانع وصروح الإنتاج مثل الطرق والسكك الحديدية وإمدادات الطاقة الكهربائية خاصة للصناعة التحويلية القائمة على كثافة اليد العاملة.
ثامنًا: اتخاذ مزيد من الخطوات للنهوض بالابتكارات العلمية والتكنولوجية وتنمية قدرة الحكومات على تنفيذ السياسات الصناعية واتساقها مع السياسات الاقتصادية الكلية من أجل تحقيق نهضة شاملة مع ضرورة التكامل العربي حيث يمكن للأسواق الإقليمية أن توفر تجمعات فعالة للعملاء ورجال الأعمال والمستثمرين.
تاسعًا: هناك ضرورة أن يرتكز الاهتمام بالصناعة إلى معطيات واقعية تؤدي إلى تحقيق النتائج المرجوة وإقامة الصناعات ذات الجدوى الاقتصادية فلا فائدة من صناعات هامشية قد لا تكون ذات جدوى أو لا تمكن من تحقيق إيرادات سيادية .
عاشرًا: يجب حسن وضع السياسات الصناعية لتعمل وفق معايير أساسية تتضمن توظيف الموارد والقدرات البشرية والمادية وتعزز إمكانيات الاستفادة من قدرات القطاعين العام والخاص وكفاءة تشغيل الأموال وتعزيز إمكانيات خلق فرص التوظيف في القطاعات المختلفة.
الخلاصة
تكمن الأزمة الصناعية العربية في عدم التكامل بينها وبين القطاعات الاقتصادية مما لا يساعد على الاستفادة المثلى من منتجاتها ويزيد اعتمادها على التصدير والاستيراد ويرفع من درجة انكشاف الدول العربية على الخارج مما يخل بمقومات التنمية المتوازنة.
ويجب تذليل العقبات ومواجهة التحديات التي تعترض طريق القطاع الصناعي العربي والارتقاء بمستوى الصناعات الموجودة، فواقع الصناعة العربية يتطلب دعم وتنمية الصناعات خاصة التحويلية القائمة على كثافة اليد العاملة كخطوة للدخول في مرحلة ثورة تنموية صناعية عربية، حيث تتزايد الحاجة – حالياً - بالمنطقة إلى الوظائف لحل مشاكل الباحثين عن عمل وتوفير الأمن الاقتصادي للمواطنين من خلال الصناعات والصروح والمجمعات الإنتاجية.