[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]

يبدو أن المشهد السوري يتجه إلى مزيد من التعقيد والتأزيم ليتحول إلى كرات نار حارقة لن تبقى محصورة في الدائرة الجغرافية السورية، أو الوصول إلى حافة الهاوية ـ كما في كل مرة ـ فيحتاج طرف من طرفي النزال إلى الآخر لينزله من أعلى الشجرة، لتبدأ رحلة جديدة نحو البحث عن الحل السياسي الذي لا تزال تطحنه دوامة الكذب والفبركة المصطنعة من قبل معسكر التآمر على سوريا.
والتصعيد المفتعل بشقيه السياسي والميداني من قبل معسكر التآمر على سوريا على النحو الماثل، يتجاوز كل الشعارات التي رفعتها قواه المكونة له، ذلك أن سفك الدم والتدمير مع نسق التضليل والاختلاط لم تخفت وتيرته، وفوق ذلك يسعى جاهدًا إلى استلاب الوعي الوطني والقومي إلى مجاهل ومناطق متداخلة لتحقيق هدفين مَثُلا على الدوام ومنذ تفجير مخطط تدمير سوريا وهما: تنفيذ الجريمة بصورة متعمقة ودموية والتعمية والتستر على المجرم أيًّا كان موقعه في الجريمة، مخطِّطًا أو داعمًا أو منفِّذًا، والتوظيف السياسي والميداني للجريمة لأجل إحداث نقلة نوعية وجديدة يستطيع بها معسكر التآمر فرض شروطه وإملاءاته، وابتزاز الدولة السورية وحلفائها.
وما يلاحظ أن التخطيط للجريمة والإعداد الجيد لها والتنفيذ دائمًا ما يرتبط بحدث سياسي أو ميداني يصب في صالح الدولة السورية، والمتتبع لكل الجرائم البشعة المرتكبة بحق الشعب السوري جاءت متنزامنة إما مع مؤتمر دولي لبحث الحل السياسي بدت فيه أوراق الدولة السورية هي الأقوى، وإما مع تقدم ميداني يصنعه الجيش العربي السوري في حربه على الإرهاب، كما هو حال جريمة استخدام العصابات الإرهابية للسلاح الكيماوي في خان العسل، وفي الغوطة، وكذلك مجزرة الحولة "وحلب تحترق" وغيرها من باب التمثيل لا الحصر، ولذلك لم تكن حادثة خان شيخون والاتهام المباشر للجيش العربي السوري باستخدام السلاح الكيماوي خارج ذلك السياق، وإنما أعدت بطريقة مخابراتية احترافية. فالجريمة جاءت إثر تطور سياسي أو يمكن وصفه بتحول سياسي باستدارة شبه كاملة في الموقف السياسي الأميركي حيال الأزمة السورية ووضع الرئيس السوري بشار الأسد، وذلك حين أكد ريكس تيلرسون وزير الخارجية الأميركي أن مستقبل الرئيس السوري يقرره الشعب السوري، وكذلك نيكي هيلي السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة حين قالت في الثلاثين من مارس إن أولوية الدبلوماسية الأميركية لم تعد إزاحة الرئيس بشار الأسد، وهو موقف نزل كالمطرقة على الرؤوس الحامية التي فعلت وتفعل كل ما يمكن لتدمير سوريا وعن بكرة أبيها. وبالتالي فإن المشهد بهذه الصورة الواضحة، سواء من خلال الموقف الأميركي الجديد أو من خلال التقدم الميداني اللافت والمائل بصورة كبيرة لصالح الدولة السورية في حلب وحمص وحماة ودرعا وتدمر، وقبول الأكراد بتسليم مناطقهم في الشمال في منبج لقوات الجيش العربي السوري لقطع الطريق على النيات التركية المرادة هناك، يضاف إلى ذلك التحول السوري الكبير في التعامل مع العدوان الإسرائيلي المتكرر بإسقاط طائرة وإصابة أخرى تابعتين للطيران الحربي الإسرائيلي حين انتهكتا السيادة السورية للاعتداء على مواقع الجيش العربي السوري في تدمر، وبالتالي فإن المشهد بهذه الصورة الواضحة يبدو اتهام الجيش العربي السوري باستخدام السلاح الكمياوي في خان شيخون بمحافظة إدلب غير مهضوم وغير واقعي ومتناقضًا مع الواقع، فضلًا عن أنه من غير المستساغ عقلًا ومنطقًا أن يستخدم هذا الجيش الذي يدافع عن الشعب السوري ويحارب الإرهاب الكوني، ولا يزال يقدم تضحيات هائلة في سبيل تأمين مظاهر الأمن والاستقرار للشعب السوري، والحفاظ على سيادة سوريا واستقلالها أن يقتل من يقدم تضحياته الهائلة لإنقاذهم، ناهيكم عن صك البراءة من منظمة حظر الأسلحة الكيميائية بأن سوريا أوفت بما تعهدت به من تسليم ترسانتها الكيميائية وتكفلت الولايات المتحدة تحديدًا بتدميرها.
على أن قضية استخدام الأسلحة الكيماوية المفتعلة في خان شيخون تطرح علامات استفهام كثيرة، وفق روايات معشر المتآمرين وصورهم التي تكفلوا بتصويرها وإخراجها وبثها، لجهة أنه إذا كان هناك هجوم بالسلاح الكيماوي فإنه من المفترض أن المنطقة المصابة تصبح ملوثة بالمواد السامة، فكيف يروح ويجيء مسرحيو ما يسمى بالقبعات البيضاء وممثلوها ومخرجوها على الأطفال المصابين والملقين على الأرض دون وقاء ألا يصيبهم ما أصاب الأطفال؟ ألا يمكن أن يكون هؤلاء الأطفال أعطوا أدوية منومة لغرض تصوير المشاهد وإخراجها بالطريقة المرادة لإلصاق التهمة؟ ثم ألا يكون هؤلاء الأطفال وعموم الضحايا قد ارتكبت بحقهم مجزرة بحقنهم بمواد سامة، كما فعل بغيرهم من قبل في الغوطة والحولة وخان العسل وغيرها؟ فمن جاء ليدمر بلدًا بأكملها فلن يتورع ولن يتردد في قتل الأطفال والنساء، فضلًا عن أنه لا توجد هناك جهة محايدة تنقل الحقيقة، وإن وجد من بين الأطباء أو المواطنين السوريين فربما لن يكونوا قادرين على الاعتراف. ألم تجب مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأميركية الأسبق عن السؤال: هل قتل نصف مليون طفل عراقي وهو أكبر من عدد ضحايا هيروشيما يستحق ذلك؟ بقولها: نعم يستحق ذلك؟ ألم ترفع نيكي هيلي السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة صورًا لضحايا أطفال عرب في بلد عربي يدمر على أنهم ضحايا السلاح الكيماوي في خان شيخون، وذلك أثناء جلسة مجلس الأمن الدولي الطارئة التي انعقدت لبحث تداعيات القصف الأميركي على قاعدة الشعيرات السورية على خلفية حادثة خان شيخون؟ أما من الجانب الآخر، وحسب الرواية المعادية، أن الطيران السوري استهدف مخازن سلاح للعصابات الإرهابية مخزن بها أسلحة كيماوية، فإن السؤال هو: من أين أتت هذه الأسلحة؟ وكيف عبرت الحدود؟ ومن قام بتزويد العصابات الإرهابية بها؟ ومن تريد هذه العصابات أن يستهدفه بها؟ ومتى؟ وأين؟
في مقالي السابق المعنون (سوريا.. هل احتلال الرقة بداية التقسيم؟ المنشور في مثل هذا اليوم الأسبوع الماضي، حذرت الدولة السورية وحلفاءها من الإفراط في التفاؤل حول الموقف الأميركي من وضع الرئيس السوري، فالرؤوس الحامية لا تزال تفعل فعلها لمواصلة تدمير سوريا وخلط الأوراق والتحريض والتشويش، وبالتالي لا بد من البحث عن خدعة وكذبة يطاح عبرها بالموقف الأميركي، كما أن الإدارة الأميركية (وهذا هو الأهم) لن تخرج عن الإرادة الإسرائيلية فيما خص المنطقة وتحديدًا سوريا وحزب الله وإيران.
لذلك، تبدو الخديعة المعدة بإحكام قد نجحت في إحداث الانقلاب المطلوب في الموقف الأميركي من الرئيس السوري، فجاء الحكم والرد متعجليْن قبل تقصي الحقائق بقصف قاعدة الشعيرات التي انطلقت منها الصواريخ التي أسقطت إحدى الطائرتين الحربيتين الإسرائيليتين وأصابت الأخرى، وبالتالي القصف لم يأتِ دون أمر إسرائيلي وبإحداثيات إسرائيلية، كما أنه انتقام إسرائيلي واضح ولكن بيد أميركية هذا من جهة، ومن الجهة الأخرى، لا بد من اللجوء إلى هذه الوسائل الأكثر قذارة ضد المدنيين لإرباك الجيش العربي السوري وحلفائه والتشويش عليهم والتحريض ضدهم، وذلك لعرقلتهم عن التحرك نحو الهدف القادم وهو تطهير إدلب أو دير الزور من رجس الإرهاب، كما أن العرقلة ذاتها ستمنح واشنطن ولندن ومن معهما استكمال إنشاء القاعدة العسكرية لهما في مطار الطبقة التي ستمثل تهديدًا مباشرًا لسوريا وحلفائها.
إذًا، نحن أمام سيناريوهين: إما انزلاق الأوضاع إلى حرب أوسع من الجغرافيا السورية، ستلعب فيها القواعد العسكرية غير الشرعية في الطبقة وشمال سوريا دورًا كبيرًا في استهداف سوريا والمقاومة، والجمهورية الإسلامية الإيرانية لكونها تشكل محورًا واحدًا، وإما التصعيد حتى حافة الهاوية إيذانًا ببدء التسويات التي ستتأسس على الابتزاز، وستلعب فيها القواعد العسكرية غير الشرعية أيضًا دورًا حيال ذلك، لأن الهدف منها هو حماية كيان الاحتلال الصهيوني وعزل محور المقاومة، بل تصفيته، ما لم تكن لدى هذا المحور أوراق أخرى يُفشل بها كل هذه المخططات الصهيو ـ غربية الإقليمية المهددة لأمن المنطقة واستقرارها.

[email protected]