في الوقت الذي لا تزال الأجواء في عديد من السماوات العربية تشتعل بنيران الحروب من الصومال إلى السودان إلى لبنان إلى العراق إلى سوريا إلى ليبيا إلى اليمن إلى مصر وتونس، تستمر محاولات تجار الحروب لمد ألسنة النيران إلى أكبر رقعة، وفي كل الأحوال نجد أصابع الولايات المتحدة في الأماكن الحساسة لتحريك الأمور باتجاه الحرب والتشدد في التعامل مع كل رأي يجنح إلى السلام والتفاوض بين الأطراف، وذلك بعد أن حددت واشنطن حدود الفرق بين العدو والصديق حسب القرب أو البعد من مصالح جماعات الضغط الأميركية وأصحاب المصالح في تجارة السلاح وغيرها، وكذلك اليمينيون الجدد الذين دخلوا كقاسم مشترك بين كل المواقع المؤثرة في سلطة القرار الأميركي، فيا ترى متى سيفهم الساسة الأميركيون حاجة هذه المنطقة خاصة والعالم عامة إلى السلام والهدوء والاستقرار، وضرورة التخلي عن دعم الإرهاب وعدم التستر على سياسة دعمه والتحالف معه بالزعم بمحاربته؟
وبعيدًا عن المبالغات، فإن شعوب المنطقة لا تزال تدفع ثمنًا باهظًا جراء الحماقات الغربية وبالأخص الأميركية والتي تتلفع بأردية خرقاء وأقنعة كاذبة وشعارات زائفة من قبيل تحقيق الأمن ودعم الاستقرار والسلم ومساعدة الشعوب والدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان ونشر الديمقراطية. وعلى الرغم من افتضاح هذه الشعارات وسقوط الأقنعة فإن الإصرار الغربي والأميركي لم ينفك عن السير في مسالك الحروب المدمرة وجر المهالك لشعوب المنطقة والعالم، ولم يتوقف عن سياسة التحريض والتأليب والدسائس والمؤامرات، فلم تُبقِ هذه السياسة المدمرة والساعية إلى الهيمنة على المنطقة حجرًا على حجر، وأطاحت بالاستقرار والسلام والأمن وبكل خطط التنمية وسلبت الإرادة والثروات والمقدرات للشعوب العربية المكلومة، ولم تتوقف لحظة عن نقل الموت المجاني إلى كل بيت عربي، سواء في العراق أو سوريا أو لبنان أو اليمن أو مصر أو ليبيا أو تونس أو الصومال، تارة بصورة مباشرة، وتارة أخرى عبر الإرهاب الذي رعته ونمته وتدعمه والذي جعلت منه ذراعًا أخرى تقتل وتدمر بها.
ومن سخريات الزمان والحكايات المستفزة والمثيرة للسخرية المرة، أن يخرج رئيس أكبر دولة في العالم لا تزال تقود الحروب والدمار والهلاك وتقود التدخلات في الشؤون الداخلية للدول، وتربي جماعات الإرهاب وتغذيها، بأن الولايات المتحدة تعلن التوبة النصوح عن خوض حروب عسكرية مباشرة ضد الشعوب، وأنها بصدد إنشاء صندوق بخمسة مليارات دولار لمكافحة الإرهاب، والعودة إلى الكونجرس لتدارس كيفية دعم ما يسمى المعارضة "المعتدلة" في سوريا.
إن إعلان الرئيس الأميركي باراك أوباما عن تخلي الولايات المتحدة لخيار الحروب العسكرية المباشرة، هو إعلان إيجابي، إلا أن التدخلات الأميركية في الشؤون الداخلية للدول وضرب استقرارها وسلب قرارها السيادي ودعم الإرهابيين والمرتزقة والمتمردين ضدها لا يقل خطرًا ودمارًا وإهلاكًا للحياة بأجمعها عن التدخلات العسكرية المباشرة، ويفقد هذا الاعلان قيمته وصدقيته، فالولايات المتحدة لا تزال تصر على تدمير سوريا بدعم الإرهاب ضدها وجمع دول تابعة لها تحت مظلة واهية أسمتها "أصدقاء سوريا" بهدف تقويض الاستقرار فيها وتدميرها وإلحاقها بالدول التي أبادتها القوة العسكرية الأميركية. والمثير للسخرية الإعلان الأميركي عن تخصيص خمسة مليارات دولار لمكافحة الإرهاب في وقت يتعهد فيه أوباما بتسليح العصابات الإرهابية في سوريا بالمال والسلاح النوعي تحت زعم دعم ما يسمى المعارضة "المعتدلة"؟ فهل هناك معارضة "معتدلة" وهي تحمل السلاح النوعي وغير النوعي وتقتل به الأبرياء وتدمر به البنى التحتية؟ أليس هذا الإعلان مثيرا للسخرية المريرة؟!