[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/waleedzubidy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]وليد الزبيدي[/author]
ربما، لن يتمكن أي باحث تصور الوضع النفسي للعراقيين بصورة عامة ليلة دخول القوات الأميركية مدينة بغداد وبدء انتشارها في المدن الأخرى، فقد كان الزلزال أكبر من قدرة النفس البشرية على تصوره وحتى تخيل الصور المرعبة الجديدة في البلاد، ووسط التهويل الإعلامي والضخ المتواصل ضمن حملة "الصدمة والترويع" وبروزها على أرض الواقع بعد الانهيار السريع وغير المتوقع عند الغالبية العظمى من العراقيين، فقد اضطر العراقيون للتوزع بين مصدوم لا يعرف كيف يفكر وبماذا يفكر وثمة من سيطر عليه هوس اليأس برجة كبيرة، وهناك من بقي وسط أمواج متلاطمة لا يعرف أين مستقرها؟
وبسبب العوامل المعادية لأي تفكير بطريق المقاومة في تلك الظروف شديدة الاضطراب، فقد يكون في غاية الاستغراب أن يتجه البعض وإن كانوا قلة قليلة في البدايات للتفكير بطدرب المقاومة والشروع بالخطوات الأولى في وقت مبكر جدا.
تحدثنا عن دور التضاريس في نجاح مقاومات عبر التاريخ، وكيف ساعدت في نجاح عمليات للمقاومين ما أسهم في التشجيع للسير في هذا الطريق، إلا أن التجربة العراقية قد تكون نادرة ومتفردة أيضا خاصة عندما نعرف الغياب شبه التام للتضاريس المساعدة للمقاومين في هجماتهم.
لقد اجتمع هنا عاملان قويان ومؤثران في الجانب النفسي، فمن ناحية يشعر المرء بأنه أمام قوة أميركية عملاقة وهائلة، سواء من حيث المعدات الثقيلة (الطائرات والدبابات والمدافع، أو القوات البشرية على الأرض، وبالأخص قوات المارينز المعروفة بقوتها وسطوتها، يضاف إلى ذلك القدرات التكنولوجية الهائلة).
بالمقابل فإن المقاومة العراقية لا تمتلك عوامل مضادة لما تمتلكه القوات الأميركية، ومن أهم تلك العوامل، القدرة على الحركة والمناورة وسرعة الاختباء بعد تنفيذ هجماتها، ولا شك أن هذا العامل لا يتوافر بدون تضاريس تكفل تأمين ذلك.
وسط الظروف النفسية التي عاشها العراقيون نتيجة لزلزال الاحتلال والانهيار السريع لمؤسسات الدولة العسكرية والأمنية والسياسية، انطلقت المقاومة العراقية بالسرعة المعروفة، وبدأت الهجمات في أرض منبسطة، وإذا بدأنا من الهجمات التي حصلت داخل مدينة بغداد، فإن أرض العاصمة منبسطة وشوارعها مستقيمة، ولا يوجد فيها الكثير من البنايات الشاهقة، ما عدا شارع حيفا بجانب الكرخ من العاصمة حيث توجد العمارات السكنية الحديثة، والهجمات التي شنها المقاومون في مدينتي العمارة والبصرة حصلت في أرض منبسطة أيضا، إذ لا توجد مرتفعات وتلال وغابات، رغم ذلك فإن المقاومين هناك قد أوقعوا خسائر فادحة بالقوات البريطانية الغازية، وحصلت جميع الهجمات في أرض منبسطة، وهاجم المقاومون القوات الأميركية بشراسة داخل العاصمة بغداد، وخير مثال على ذلك إطلاق 29 صاروخا على فندق الرشيد أثناء وجود نائب وزير الدفاع الأميركي بوول وولفويتز بداخله، وهذا الفندق أحد مقرات القوات الأميركية الرئيسية ويقع ضمن حدود (المنطقة الخضراء) شديدة التحصين، وأصابت الصواريخ الفندق إصابة مباشرة أواخر شهر أكتوبر/تشرين أول 2003، ونحن هنا إزاء هجوم واسع، إذ إن إطلاق هذا العدد الكبير من الصواريخ ليس بالأمر السهل، وأنه يحتاج إلى منصات إطلاق وطواقم مدربة، كما أن ذلك يقتضي البقاء في المكان لمدة قد تصل بين (5-8) دقائق، أما الأمر الأكثر أهمية فيتمثل بتأمين انسحاب القوة المهاجمة من المقاومين، حيث تنتشر القوات الأميركية في جميع أنحاء بغداد.