صراع المصالح والتقارب الفرنسي العماني
في 12 أكتوبر من عام 1798م قام السيد سلطان بن أحمد بتوقيع أول معاهدة سياسية بين عمان وبريطانيا ، وكان من الأسباب الرئيسية لتوقيع هذه المعاهدة هو تخوف الطرفين من النفوذ الفرنسي خاصة بعد وصول نابليون بونابرت إلى مصر عام 1798م ، فالسيد سلطان كان لديه تخوف من تنامي النفوذ الفرنسي ووصوله إلى منطقة الخليج ، وبريطانيا كانت تهدف إلى قطع أي محاولة لفرنسا لإقامة علاقات مع عمان والاستفادة من موقعها وامكانياتها في خدمة مصالحها الاستعمارية في المنطقة، وتخوفها المستمر من قيام تحالف يضم كلا من عمان وفرنسا ممثلة في مستعمراتها موريشيوس والريونيون وولاية ميسوري الهندية، نظرا للعلاقات التي كانت تجمع بين هذه الأطراف الثلاثة.
وعلى الرغم من أن هذه المعاهدة شكلت نجاحا للسياسة البريطانية في المنطقة ، غير أنها لم تنجح في الحد من التقارب الفرنسي – العماني بشكل نهائي،بل استمرت عمان في الحفاظ على علاقتها بكل من بريطانيا وفرنسا وتغيير سياستهاً تبعا لقوة إحدى هاتين الدولتين، مستغلة موقعها الاستراتيجي على رأس الطريق الواصل من بومباي إلى الخليج العربي والبحرالأحمر، مما جعلها محط أنظار القوى الأوروبية الاستعمارية مثل فرنسا وبريطانيا، فدار بين هاتين الدولتين تنافس من أجل ايجاد علاقات قوية مع عمان الساحل. وأرادات مسقط الاستفادة من ذلك لصالحها، ولكنها لم تنجح نظراً لضعفها والمشاكل الداخلية التي أثرت على حكمها، مما جعلها تعتمد على القوة الاستعمارية الأوروبية، وخاصة بريطانيا لمساعدتها، بل لحمايتها من الاضطرابات الداخلية التي قد تمتد إلى مسقط ،وبالتالي على حكم الآلبوسعيد، ومن ثم المصالح البريطانية.
فعندما رفضت بريطانيا تقديم المساعدة لحاكم عمان الساحل في الاستيلاء على البحرين عام 1801م، اتجه إلى الفرنسيين الذين انتهزوا هذه الفرصة، وقدموا له الدعم اللازم، مما أدى إلى تجاهل حاكم عمان لاتفاقيته مع بريطانيا لعام 1800م، وجاء هذا مع تزايد النشاط الفرنسي لاستعادة مركزها في الشرق. وبرغم مقتل سلطان بن أحمد عام 1804م ومجيء بدر بن سيف إلى الحكم، إلا أن التقارب الفرنسي – العماني استمر ووصلت السفن الفرنسية إلى الموانئ العمانية للتزود بالمياه والوقود، مما أثار حكومة الهند البريطانية التي أوفدت الكابتن سيتون إلى مسقط ليعيد فتح دار المندوبية لإُثبات وجودها، وتذكير حاكمها بالالتزامات العمانية تجاه بريطانيا.
لكن وصول سعيد بن سلطان إلى الحكم عام 1806م، جعل الصراع البريطاني – الفرنسي يشتد، وبالتالي فإنه كان بحاجة إلى دعم خارجي لحكم داخلي، فتطلع إلى المساعدة من كل منهما دون إغضاب الأخرى، في الوقت الذي كانت العلاقات البريطانية – الفرنسية تمر بتوتر شديد في بحار الشرق، وكتب سعيد بن سلطان إلى حاكم بومباي يؤكد علاقات المودة بينهما، إلا أنه لم يرد، لأنه اعتقد بأن سعيد بن سلطان يريد مساعدة بريطانية ضد غارات النجديين، في الوقت الذي لم تكن بريطانيا تريد أن تتأثر علاقتها بالنجديين من جراء مساعداتها لعمان.
وكان السيد سعيد منذ وصوله إلى الحكم حاول التجنب في الدخول في صراعات مع الوهابيين ، ولكن الوهابيين لم يغيروا من مواقفهم وأطماعهم تجاه عمان، وزاد الأمر سوءا بان بريطانيا كان موقفها تجاه النزاع العماني الوهابي ضد المصالح العمانية .
هذا ما دفع سعيد بن سلطان إلى التوجه نحو الفرنسيين، ولكن ما أن تخلصت بريطانيا من منافسة فرنسا في عام 1810م حتى بدأت تفرض سيطرتها على عمان الساحل وبالتالي أصبحت الأخيرة تحت حمايتها، وعندما أحست بريطانيا بخطر ساحل عمان (رأس الخيمة وأبوظبي) على مصالحها، اتخذت من سعيد بن سلطان حليفاً ووجدت لديه رغبة في تقديم المساعدة ضد رأس الخيمة، كما حدث للحملة البريطانية – العمانية المشتركة 1805م، وبعدها اعتقد سعيد بن سلطان بأن بريطانيا ستقف إلى جانبه ضد غارات النجديين، ولكنه كان مخطئا، فما أن رفضت بريطانيا مساعدة حاكم عمان ضد النجديين حتى عمل هؤلاء على تحييد البريطانيين كمقدمة لغزو مسقط نفسها، وقد توصل مطلق المطيري نائب حاكم نجد في البريمي إلى معاهدة وقعها مع الكولونيل سميث، تعهد بموجبها المطيري بألا تقف بريطانيا إلى جانب سعيد بن سلطان في حروبه مع النجديين، وبعدها قام مطلق المطيري بالهجوم على مسقط بحجة اخلال سلطانها بتعهداته إزاء حاكم نجد، فقتل أعداداً كبيرة من العمانيين، وأصبح وضع سعيد بن سلطان في خطر دون أن تحرك بريطانيا ساكناً برغم اتفاقية 1798م واتفاقية 1800م. بل اكتفت بنصح سعيد بن سلطان بأن يتجنب معاداة النجديين، مما يتضح بأن بريطانيا لم تكن تهمها في تحالفها مع عمان غير تحقيق أهدافها وحماية مصالحها، دون النظر إلى مصالح حليفها حاكم عمان.
واستغل حمود بن عزان غياب سعيد بن سلطان في شرق أفريقيا عام 1829م، فثار في صحار وأخذ يهدد مسقط، فعندئذ تحركت بريطانيا فأرسلت أسطولها إلى ساحل الباطنة لوضع حد لتقدم حمود بن عزان إلى مسقط. وبعد عودة سعيد بن سلطان إلى مسقط، أعلن الأخير الحرب على حمود بن عزان لاستعادة صحار عام 1831م، إلا أنه فشل وعقد هدنة مع حمود. غير أن ذلك لم يضع حداً للصراع بين الطرفين، مما دفع سعيد بن سلطان عام 1836م، إلى طلب المساعدة من بريطانيا التي استجابت له لوضع حد لأطماع حمود التوسعية، مما يعني أنها لم تكن تريد لسعيد بن سلطان أن يكون حاكماً قوياً لدولة قوية، وإنما أداة طيعة في يدها يسهل السيطرة عليها.
وهذا ما يفسر لنا عدم تدخلها لحمايته من النجديين الذين لم يكونوا ليشكلوا خطراً يؤدي إلى انهياره، وكذلك بالنسبة لثورة حمود بن عزان، إلا عندما أخذ يهدد مسقط مما يعنى الإطاحة بسعيد بن سلطان بما يتماشى مع سياستها. وهذا في الواقع كان متوافقاً مع السياسة البريطانية في الخليج العربي القائمة على تفتيت وحداته السياسية. وبالتالي فقد كانت تشجع انفصال صحار عن مسقط لتبقي على التجزئة في صفوف العرب في المنطقة. ومن هنا فقد بادرت في العمل على ترسيخ هذا الانفصال، فقد قامت بعقد معاهدة بين سعيد بن سلطان وحمود بن عزان في عام 1839م، حيث تم بموجبها انفصال صحار عن مسقط، وأن تستمر العلاقات التجارية بين البلدين، وأن يتعهد سعيد بتقديم العون لحاكم صحار ضد أي هجوم خارجي أو يشنه أعداؤه.

محمد بن حمد الشعيلي
أكاديمي في الجامعة العربية المفتوحة
[email protected]