[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/haithamalaidy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]هيثم العايدي[/author]
الأمر الذي ساعد على هذا الانتشار هو احتياج الكثير من الإعلاميين إلى معلومات أو بيانات لشغل التغطية الإخبارية لأي حدث، خاصة وأن البيانات والتصريحات الرسمية عادة ما تتأخر إما لتحري الجهات الرسمية الدقة في المعلومات قبل إتاحتها للنشر أو إما لعدم اكتراث هذه الجهات بأهمية التواصل مع الجمهور عبر وسائل الإعلام.

على الرغم من معارضة الكثيرين لمقولة الفيلسوف اليوناني أرسطو بأن الطبيعة تخشى الفراغ وتسعى لملئه، فإن هذه المقولة تنطبق تماما على المشهد الإعلامي الذي كلما شهد انحسارا في ناحية منه سعت نواحٍ أخرى إلى ملء الفراغ الذي خلفه هذا الانحسار.
ومثلما حققت التنظيمات الإرهابية تواجدها وتمركزها بالأراضي التي سيطرت عليها عبر استغلال حالة من الرخاوة والفراغ في هذه الأراضي، استفادت أيضا هذه التنظيمات على اختلاف أشكالها من حالة الفراغ الإعلامي لتحقق تواجدا على الساحة الإعلامية يتزايد بما يفوق انحسار تواجد هذه الجماعات على الأرض.
فقد بدأ استغلال التنظيمات الإرهابية للفراغ الإعلامي بحضور مكثف لخطب قياداتها تأتي للتعليق وإبداء الرأي في أحداث عالمية أو تبني ومباركة عمليات إرهابية ليتم بثها عبر رسائل صوتية أو فيديو تتبارى محطات فضائية بعينها على نشرها قبل أن يتطور هذا الأسلوب، لتكون هذه البيانات عبر صفحات على مواقع التواصل تجد طريقها إلى قطاع كبير من الجمهور دون وسيط.
والأمر الذي ساعد على هذا الانتشار هو احتياج الكثير من الإعلاميين إلى معلومات أو بيانات لشغل التغطية الإخبارية لأي حدث، خاصة وأن البيانات والتصريحات الرسمية عادة ما تتأخر إما لتحري الجهات الرسمية الدقة في المعلومات قبل إتاحتها للنشر أو إما لعدم اكتراث هذه الجهات بأهمية التواصل مع الجمهور عبر وسائل الإعلام.
وفيما تتجه وسائل الإعلام التقليدية إلى مزيد من الانحسار مع مخاصمة أية محاولة لتحسين المحتوى والأداء تمضي التنظيمات الإرهابية في تطوير منتجها، واضعة منتجها الإعلامي في مرتبة تفوق في أهميتها العمل القتالي، مدركة أن السيطرة على العقول، سواء بنيل المزيد من الإعجاب لدى المؤيدين أو الإمعان في ترهيب المرجفين هي الهدف الأهم بعد الهزائم المتلاحقة على الأرض.
فعلى سبيل المثال وبعد هزائمهم المتلاحقة في شبه جزيرة سيناء والتي كان آخرها إعلان الجيش المصري السيطرة الكاملة على جبل الحلال وتنظيم زيارة للإعلاميين للمنطقة التي كانت بكهوفها وتضاريسها الوعرة مركزا للقيادة والتموين وشن الهجمات، سارع الإرهابيون إلى بث شريط فيديو قالوا إنه يظهر عمليات قنص يقوم بها الإرهابيون مستهدفين جنودا مصريين، ليتبعه بعد ذلك فيديو آخر بثته هذه المرة إحدى القنوات التي تعد ناطقة باسم الإرهابيين يظهر ما قيل إنه قتل خارج القانون ينفذه الجيش المصري قبل أن تتراجع القناة، وتزعم أنهم "متعاونون مع الجيش" بعد تفنيدات تداولها قطاع عريض على مواقع التواصل الاجتماعي تظهر أخطاء في التصوير أظهرت الاختلاق الموجود في هذا الفيديو في استمرار لتفنيدات أخرى بينت كذب مزاعم الفيديو الذي سبقه.
وإن كانت بعض وسائل الإعلام قد قامت هي الأخرى بدورها في تفنيد مثل هذه التسجيلات فإن هذا الدور لا يتعدى كونه رد فعل على المنتج الإرهابي دون أخذ زمام المبادرة، وشغل الفراغ الإعلامي رغم أن هذه الوسائل تمتلك من الأدوات ما يتيح لها ذلك.. كما يجب الوضع في الاعتبار أن المنتج الإرهابي وإن كان قابلا للتفنيد إلا أنه يشهد تطورا في الأداء، حيث إن هذه التسجيلات الأخيرة خرجت عن الصورة النمطية لتسجيلات أخرى على شاكلة "جحيم الروس في الشيشان" أو "بدر البوسنة".
فخلف كل جندي مرابض في موقعه ملاحم من البطولات تصنع عشرات الوثائقيات، ومن كل ضحية لعمل إرهابي نستخلص قصص صمود تزيد من إيماننا أن تحقيق الإرهابي لأهدافه لا يكون بالتفجيرات أو المفخخات، ولكن بشيوع الخذلان وانكسار الإرادة.

[email protected]