[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/uploads/2016/05/salahdep.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. صلاح الديب[/author]

الحب لا يعني التنازل، الحب يعني العطاء، والحب يحتاج طرفين لكي يستطيع الحب أن يعيش، وأيضا الأسرة هي بين شريكين تحتاج أن يعمل الشريكان جاهدين على المحافظة على هذه الأسرة، وعلى أن يقوم كل منهما بواجبه كاملا تجاه الآخر، وحتى تستقيم الحياة وحتى تستمر الأسرة بشكل قوي وصلب وتستطيع مواجهة الصعاب والتحديات .

عند تكوين أسرة على أساس سليم يعد العمل الجاد هو حجر الأساس لبناء هذه الأسرة، وبالتالي لبناء مجتمع مترابط قوي ممكن، فيكون ذلك بحق هو النواة لوطن قوي يستطيع مواجهة كافة الصعاب والتحديات لهذا العصر وللعصور القادمة بكل كفاءة واقتدار.
ولما لهذا الأمر من أهمية، واستكمالا لسلسلة المقالات التي نسعى بها وبشكل جدي إلى مواجهة معظم ما نعانيه الآن في مجتمعنا الحالي.
سيكون حديثنا اليوم لمرحلة جديدة من مراحل الأسرة ألا وهي مرحلة التكوين الفعلي لمنزل الزوجية، وهو الكيان الذي يجمع بين شريكي الحياة، ومن شروط نجاح البيت السعيد عدم المغالاة في الأثاث والديكورات، إلا إن سمح الحال بهذا، وحتى لا يكون الأمر أكثر إجهادا لأحد شريكي الحياة، كما أنه يجب ألا يغالي الأهل في هذا الأمر، في حين أنه لو غالى الجميع في وضع أسس سليمة، وأيضا الوقوف على حل جميع الصعاب لكان الأمر أكثر إيجابية، ويعود هذا بالنفع على كل من شريكي الحياة، وليعلم كلاهما أن التقييم بينهما يجب أن يكون مبنيا على الاحترام والحب والمودة والتفاهم أكثر بكثير من أن يكون هذا التقييم هو تقييما ماديا. (فالوضع المعكوس هو سبب نسب الطلاق والانفصال العالية حاليا).
وهنا يجب أن يفهما أن عليهما واجبا تجاه الآخر قبل أن يطلب حقه فقط من الطرف الآخر، ولو تعامل كل من الطرفين أو الشريكين على أن له حقوقا دون أن يعي أن عليه واجبات لفقدت الحياة بينهما معنى أساسي وهام ألا وهو معنى الشركة التي يجب أن يكون لكل من الشريكين واجبات قبل أن يسعى كل منهما إلى الحصول على الحقوق، وأعتقد أن هذا سوف يكون بالتبعية أسهل بكثير .
لأنه لو قام كل منهما بعمل كل ما عليه من واجبات لاستطاع وبكل سهولة أن يقدم أكثر بكثير مما يسعى إليه الآخر، ولكان هذا أيسر بكثير ولأصبح كلاهما يتفانى في أن يقدم كل ما يستطيع وأكثر بكثير إلى الطرف الآخر حتى يقوم ويسهر على إسعاده، والتفاني في أن يقدم له الكثير دون أن ينتظر المقابل أو الحق، ولاستقامت بحق الحياة بينهما وأصبحت الأسرة مبنية على أساس الشركة وعلى أساس التفاني في إسعاد الآخر، والعمل على تقديم كل الممكن للآخر، وأن يكون الأمر متبادلا بين كلا الطرفين وليس لطرف دون الطرف الآخر وإلا كان الأمر بالنسبة لهذا الطرف الذي يقوم دائما بالعمل على إسعاد الآخر، والعمل على تقديم كل الواجبات للطرف الآخر لأصبح هذا بالنسبة للطرف الآخر حقا مكتسبا، وسيأتي يوم ويعتبر أي تقصير أو أي تهاون في تقديم هذا بنفس الصورة أو بصورة أكبر منها شيئا من التقصير الذي لا يحتمل السكوت عليه، ولو تجرأ وطلب أحد حقوقه التي لم يحصل عليها أو لو طلبها أصبح مخطئا خطأ فادحا يحتاج فيه العودة إلى صوابه وإلا ستنصب له المحاكمة لينال جزاءه جراء تجاوزه لطلب أو لمجرد الحلم بأنه يمكن أن يحصل على بعض ما يستحق من حقوقه.
فرجاء الانتباه إلى هذه النقطة الجوهرية الحب لا يعني التنازل، الحب يعني العطاء، والحب يحتاج طرفين لكي يستطيع الحب أن يعيش، وأيضا الأسرة هي بين شريكين تحتاج أن يعمل الشريكان جاهدين على المحافظة على هذه الأسرة، وعلى أن يقوم كل منهما بواجبه كاملا تجاه الآخر، وحتى تستقيم الحياة وحتى تستمر الأسرة بشكل قوي وصلب وتستطيع مواجهة الصعاب والتحديات .
ويكون بهذا قد قمنا بالتركيز على قيمة جديدة من القيم التي نحتاجها لضمان بقاء الأسرة ألا وهي العطاء والتفاني في إسعاد الآخر، وأيضا لكل حق يسبقه واجب قبل الطلب بهذا الحق يجب علي أن أقوم بعمل واجبي على أكمل وجه قبل أن أستحق أو أشرع في الطلب لهذا الحق، وأيضا عدم التنازل والتهاون في الحقوق لأنها لم تعط النتيجة السليمة في المستقبل القريب ولا المستقبل البعيد.
إن الوطن المترابط المتماسك القوي المتين هو أمل كل الشعوب، ويأتي هذا عن طريق مجتمعات متماسكة وقوية ومتينة، ولكي يعيش مجتمعنا كل ما في الشعوب المتقدمة من رخاء وحياة كريمة، ويأتي هذا أيضا بالتبعية أن تعيش الأسرة حياة رغدة وحياة كريمة .
ولكي يستقيم الوطن ويعيش كل هذا ليعم الخير والنفع على الجميع يجب وأن تكون البداية من الأسرة، لأنها النواة لأي مجتمع، وأيضا المجتمع هو النواة للوطن وعليه يتم تركيزنا في هذه السلسلة التي تخص المجتمع المترابط والذي نحلم أن يكون نواة لوطن بلا أزمات نحيا فيه جميعا كل الخير وكل الرخاء، وكل التماسك، وكل القيم الأصيلة والنبيلة. ولهذا سوف نكمل حديثنا الذي بدأناه في المقالات السابقة والتي بدأت منذ الشروع في تكوين الأسرة إلى مرحلة التكوين الفعلية الحقيقية والآن، سوف يكون الدور على المرحلة التالية والتي يبدأ فيها التعايش بعد وضع جميع المعايير والأسس والاتفاقات المنظمة للشراكة بين شريكي الحياة، ولوضع الأسرة على أساس ويجب أن يكون التفاهم والالتزام بالواجب قبل الحق تجاه الآخر ليكونوا بحق شركاء في أسرة واحدة، ويكونوا قائمين سويا على الحفاظ على استمرار ونجاح هذه الأسرة .
وعليه سنقوم بالتطرق إلى المرحلة التالية ألا وهي مرحلة التعايش في بداية الزواج والتي يظهر فيها كل طرف أو كل شريك بكامل حقيقته للطرف الآخر أو الشريك الآخر، وعلى قدر ما كان واضحا للطرف الآخر على قدر ما وجد سهولة ويسر في التعامل معه في فترة التعايش الأولى والتي تعد وبحق من أهم فترات الحياة الزوجية أو فترات بناء الأسرة والتي يقوم كل طرف بالتعرف بصورة كاملة وواضحة إلى الطرف الآخر .
ولذا ننصح بأن يكون كل طرف أكثر وضوحا للطرف الآخر في فترة التعارف وحتى لا يتفاجأ أحد الأطراف بأنه ارتبط وتزوج بشخص لم يعرفه مطلقا. ومن هنا تبدأ الصراعات والخلافات، ولسد هذه الثغرة يجب التركيز على أنه في مرحلة التعارف يجب أن نكون أكثر وضوحا، وأن لا نحجب شيئا لأن ما نحجبه في فترة التعارف ستزداد مقاومته بعد الارتباط وليس فرض ما يسمى سياسة الأمر الواقع، وعلى العلم أنه لو تم المصارحة بهذا الأمر... كان صعبا ومستحيلا يكون درجة قبوله في فترة الارتباط والاتفاق على تكوين الأسرة أكثر يسرا أو سهولة، ويكون بهذا تم سد أهم وأخطر الثغرات التي يتم بها هدم أسرة بأكملها في بداية نشأتها وفي الأيام الأولى من الزواج بسبب عدم الوضوح وحجب بعض الحقائق للطرف الآخر .
وكما نبهنا سابقا يجب على كل طرف عدم المغالاة في إرضاء الطرف الآخر عن دون رضاء، وحتى لا يكون هذا أمرا يضغط على من يقوم به لأنه بالنسبة له أصبح تنازلا، وأصبح بالنسبة للطرف الآخر حقا مكتسبا فيجب الحذر الشديد من هذا الأمر.
كما يجب أن تكون هذه الفترة ألا وهي فترة التعايش الأولى من كل شريكي الحياة أن يكونا في أقصى درجات الالتزام بكل ما تم وضعه من أسس، وذلك لتجنب أي صدامات أو خلافات في بداية الحياة الزوجية، وعلى أن تكون هذه الفترة أكثر سلاسة وأكثر هدوءا، وحتى يتم التقريب بين شريكي الحياة في أغلب النواحي، وحتى يتم التطبيع فيما بينهما، وإلى تقليل نقاط الاختلاف فيما بينهما، وتكون مساحات التفاهم فيما بينهما أكثر بكثير، وأن يعملوا سويا جاهدين في تقليل المساحة التي لا يوجد توافق فيما بينهما، وعلى أن يكون هذا طواعية وبالتفاهم وليس جبرا أو بسياسة الأمر الواقع، وعلى أن يقوم كل من شريكي الحياة بالتفاني في إسعاد الطرف الآخر، وعلى أن يقوم بواجبه على الوجه الأكمل، وحتى يستحق وبجدارة الوصول إلى حقه بالشكل الأمثل ودون أي تقصير من الطرف الآخر، ولو سعى كل من شريكي الحياة على أداء ما عليه كما ينبغي لاستقامت الحياة فيما بينهما ولأصبح الأمر لا مجال له لظهور خلافات أو صراعات في المستقبل القريب أو المستقبل البعيد.
وللحديث بقية إن كان في العمر بقية .
مع أمل اللقاء والشرف بكم في العدد القادم إن شاء الله تعالى .