يشكل الإعلام أحد أهم المجالات تأثيرًا على المتلقين، حيث يملك في طياته نهوض أي بلد أو تراجعها، فالإعلام الهادف الذي يقوم بتوجيه أفراد المجتمع وتثقيفهم، هو أحد الثوابت التي يقوم عليها بناء المجتمع، وتشكيل ملامحه، وبقدر صدق الإعلام ووطنيته بقدر ما يستطيع خلق الفارق، فقادة الإعلام بمختلف أنواعه هم قادة الرأي في المجتمع، وهم من يقومون ببناء وعي الناس الذي يبني مجتمعًا مستقرًّا، لكن تبقى الخطورة في أن هناك ممن يمتهنون مهنة الإعلام النبيلة من يسعى لتغييب الوعي لدى المجتمع، والسعي لمكاسب آنية على حساب بناء المجتمع وتماسكه، لذا فإن معظم بلدان العالم أدركت خطورة الأدوات الإعلامية إذا وقعت في يد غير أمينة على أمن وسلامة المجتمع، وعملت على ربط حرية الإعلام بمسؤولية قانونية رادعة لكل من تسول له نفسه العبث بتلك المهنة الأمينة.
فالإعلام كما يخضع للرقابة الذاتية من مقدمه لا بد أن يخضع لأخلاقيات مهنية ترزن ما يقدمه أخلاقيًّا وتشريعيًّا، بحيث يحدث توازن بين حق الإعلامي في تحقيق مقاصد عمله الإنساني النبيل المتمثل في نقل الحقائق والمعلومات للغير، وبين حق أفراد المجتمع في حماية حقوقه، والحريات الشخصية لأبنائه، بعدم نشر معلومات أو أخبار مغلوطة أو كاذبة أو ماسة بحرمة الحياة الخاصة، من شأن تلك المعلومات أو الأخبار المغلوطة أو المكذوبة المساس بهيبة الدولة أو المساس بأي من مرافقها، لذا فالتشريع يعد حماية لأفراد المجتمع من سلطة الإعلام إذا أسيئ استخدامها بشكل يضر أمن المجتمع ككل، أو حرية أفراده الخاصة.
وبرغم أن الإعلام العماني منذ بواكير عهد النهضة المباركة اتسم بالموضوعية والصدق، وحرص دومًا على التأكيد على أهمية الثوابت الوطنية والحرص على المصلحة الوطنية، وكان سندًا توعويًّا يقوم بدوره في مراحل النهضة المختلفة، بالإضافة إلى إشاعة المثل العليا النبيلة التي تحافظ على قوة وتماسك المجتمع، مثل إشاعة أجواء التسامح، والأخوة بين أفراد المجتمع، والبعد عن تأجيج الصراعات، ما جعل السلطنة واحة للأمان يقصدها القاصي والداني، إلا أن المشرع العماني حرص أيضًا على أن تكون الحرية الإعلامية مسؤولة تراعي حرمة الوطن والمواطن.
ومن هذا المنطلق جاءت ندوة "الإعلام والقانون" لترصد تطور تنظيم العمل الإعلامي في العالم من القوانين إلى مواثيق الشرف الأخلاقية، بالإضافة إلى بحث التشريعات المنظمة للعمل الإعلامي، وقد خرجت الندوة بمجموعة من التوصيات تمثلت في التوصية بصياغة نظرية فقهية للإعلام على غرار النظريات الفقهية المعروفة، بحيث تكون مرجعًا لمواثيق الشرف الإعلامية وأخلاق المهنة والتشريعات التي تصدر في الدول الإسلامية، وصياغة تعريف جامع مانع لمفهوم الجريمة الإعلامية، يراعى فيه أن يكون الفعل في ذاته محرمًا شرعًا، وأن يكون مخالفًا للمشروعية، وأن يكون فيه اعتداء على حقوق الآخرين أو الحق العام، وأن يكون من شأنه إحداث ضرر أو فساد وجودي حقيقي، مع نصب الأدلة اللازمة لإثباتها.
كما أوصت الندوة بتفريغ المبادئ العالمية للأمن القومي والحق في المعلومات في اتفاقية دولية تحت إشراف الأمم المتحدة، لما تتضمنه هذه المبادئ من تحقيق نوع من التوازن بين القيد المتعلق بالأمن القومي وحرية العمل الإعلامي، وإنشاء لجنة قضائية إعلامية بهدف حلحلة كافة الجوانب التي تهم المعنيين بمجالي القانون والإعلام، بما لا ينال من تطبيق القانون على الوجه الصحيح، ودعت إلى العمل على تحديث وتطوير القوانين السارية ذات الصلة ـ لا سيما قانون المطبوعات والنشر ـ حتى تواكب التطورات المتلاحقة في مجال الإعلام والاستمرار في عقد المزيد من الندوات والمؤتمرات التي تعنى بالجوانب القانونية للعمل الإعلامي، للخروج برؤية موحدة يكون الهدف منها وضع الضوابط والأطر القانونية والأخلاقية
المنظمة لهذا العمل، وتشجيع الصحفيين والإعلاميين على تطوير أطر التنظيم الذاتي لمهنتهم، والمتمثلة في مواثيق الشرف الأخلاقي.