[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]
حين تبلغ الطموحات والأحلام مستويات حدود تحقيقها بنجاح تام، وتتعدى حدود زمانها ومكانها، وتقفز فوق منطق الأشياء والمعقول إلى منطق أضدادها، فإن المبالغة فيها أو الإصرار على المضي نحوها دون أخذ عِبَر التاريخ وعظاته وتجاربه في الاعتبار ومحاولة الاستفادة منها، قد تكون نوعًا من الانتحار أو القفز إلى حصاد الفشل المسبق، خاصة حين تلتقي هذه الطموحات والأحلام مع أو تكون مدفوعة برغبات ونيات ومخططات شريرة وخبيثة.
في عهد الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش "الصغير" علَت الطموحات والأحلام "البوشية"، مسكونةً بجنون العظمة العسكرية التي كانت ترى فيها أنها لا تقهر، ولم لن تكون ثمة قوة قادرة على قهرها أو النيل منها، لدرجة رأت أن العالم كله سيصير ولاية أميركية ثانية وخمسين، إذا أخذنا في الاعتبار أن الولاية الإحدى والخمسين هي كيان الاحتلال الصهيوني، وقد التقت هذه الطموحات والأحلام مع الرغبات والنيات والمخططات الشريرة الخبيثة الصهيونية، فقادت الأخيرة الأولى إلى نهايات مؤلمة وكارثية لا يزال الشعب الأميركي يدفع ثمنها.
في مقابلة مع محطة "إيه بي سي" الأميركية، أقر الرئيس الأسبق جورج بوش "الصغير" بأنه "لم يكن مستعدًّا لحرب العراق"، عندما تسلم مقاليد الحكم، والذي دفعه لهذه الحرب كما زعم وادَّعى هو جهاز الاستخبارات، مبديًا "أسفه الكبير" لشن هذه الحرب!! فهذه الحرب وما قبلها (حرب أفغانستان) هي حرب صهيونية المضمون والأهداف بالدرجة الأولى، أميركية الشكل والعنوان، فغلاة المتطرفين المتصهينين المتغلغلين في مفاصل مراكز صنع القرار الأميركية هم من رسموا سيناريوهات توريط الولايات المتحدة في هاتين الحربين، وقادوا إلى النهايات التي حصدها الأميركيون ورآها العالم بأُم عينه.
وما أشبه اليوم بالبارحة، حيث الطموحات والأحلام لدى الإدارة الأميركية الحالية بقيادة دونالد ترامب تكبر وتكبر مع ما يعتمل في النفس الصهيونية الشريرة من مخططات ونيات خبيثة والتي تتوهم أن الحين قد حان للسير بها نحو التحقق والإنجاز (وقد أكدت في مقالات سابقة أن هذه الإدارة هي نسخة طبق الأصل من إدارة بوش الصغير).
صحيح أن الظروف الحالية التي أنتجها "الحريق العربي" تسير وفق ما خطط له من إشعال نيران هذا الحريق، حيث فروض الولاء والطاعة تتهافت وتتهاطل على البيت الأبيض وتل أبيب، فهناك من قدم دمه، وهناك من بذل ماله، وهناك من قدم دمه ونفسه وماله و...و...، من أجل تحقيق أهداف الصهيوني وكسب رضا الأميركي، اللذين يتكفلان فقط بإرسال الصواريخ المدفوعة التكلفة من خارج الحدود، وإلقاء أُم القنابل وأولادها من فوق السماوات، وبالتالي ليس ثمة ما يخسره لا الصهيوني ولا الأميركي على عكس ما قبل "الحريق العربي" حيث كان يتطلب أن ينزل الأميركي بنفسه إلى أرض المعركة نيابة عن الجميع، إلا أن ما يبدو للمريدين والمرجفين في الأرض مواتيًا لن يكون كذلك، فالمستهدفون في المقابل ليسوا أقل عدةً وعددًا واستعدادًا، وما يملكون ما يصد ويوجع الكثير.
الرئيس دونالد ترامب في احتفاله بيومه المئة في منصبه أمس الأول قيَّم هذه الفترة، حيث وصفها بأنه كانت "مثمرة جدًّا"، ومتعهدًا في الوقت ذاته بـ"معارك كبرى آتية"، وأنه سينتصر فيها. ما يعني وفق هذا التقييم وهذا التعهد أن العالم ومنطقتنا تحديدًا مقبلان على مزيد من الحروب والصراعات الكبرى؛ لأن الدولة الأميركية العميقة تسعى بكل ما أوتيت من قوة إلى استعادة عظمتها وسيادتها العالمية إلى ما قبل حربي أفغانستان والعراق، وهو ما عبَّر عنه ترامب بقوله: "نحن في بداية حملتنا لإعادة أميركا إلى سابق عظمتها"، مؤكدًا أنه سيفي بالوعود التي قطعها على نفسه أمام الشعب الأميركي، أثناء الدعاية الانتخابية.
من الواضح أن الدولة الأميركية العميقة تشعر بشيء من الثقة في قدرتها على استعادة هيبتها وعظمتها، وذلك لتعويلها على من تراهم حلفاء أو أصدقاء مستعدين للوقوف إلى جانبها. فعلى صعيد الأزمة الكورية الشمالية ـ على سبيل المثال ـ استطاعت الولايات المتحدة أن تجعل من الدول المناوئة لبيونج يانج جيوشًا بالوكالة، فيوم الثلاثاء (25 أبريل 2017) اتفق دبلوماسيون من اليابان وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة على تنسيق "جميع الإجراءات" بشأن كوريا الشمالية، وقال جوزيف يون، المبعوث الأميركي الخاص المعني بسياسة كوريا الشمالية، بعد لقاء نظيريه الياباني والكوري الجنوبي "لقد اتفقنا على تنسيق جميع الإجراءات الدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية بشأن كوريا الشمالية". وقال كيم هونج كيون، المبعوث الخاص الكوري الجنوبي لشؤون السلام بشبه الجزيرة الكورية والمسائل الأمنية للصحفيين إننا الحلفاء الثلاثة "نطالب كوريا الشمالية بوقف الاستفزازات الاستراتيجية، ولكننا سنتخذ إجراء عقابيًّا قويًّا لن تتحمله كوريا الشمالية إذا واصلت استفزازاتها على الرغم من التحذيرات". وقد رفض كيم توضيح تفاصيل الإجراءات العقابية. يأتي هذا في وقت بدأ فيه الجيش الأميركي في نقل أجزاء من نظام الدفاع المضاد للصواريخ (ثاد) المثير للجدل إلى موقع بجنوب كوريا الجنوبية، وفق ما ذكرته وكالة أنباء يونهاب الكورية الجنوبية. وهو ما لا يزال يثير معارضة صينية ـ روسية، ما يعني أن ملف الأزمة سيكون محل مساومات بين القوى الكبرى، قد يصير شبيهًا بملف البرنامج النووي الإيراني. أما ما خص المنطقة فإن إرهاصاتها تشي بصيف ساخن في ضوء التحالفات والاستعدادات العسكرية والإرهابية، ودخول كيان الاحتلال الإسرائيلي على خط العدوان المباشر على دول المنطقة وتحديدًا الدولة السورية والدولة اللبنانية.

[email protected]