من منا لا تحدوه الرغبة الجارفة في التعريف بحضارة بلاده وموروثها الضارب بجذوره في أعماق التاريخ، والتعريف بمخزونها الفكري والثقافي، والتعريف بالهوية العمانية وبشخصية الإنسان العماني؟ ومن منا لا يتمنى أن يكون رسول بلاده، ناقلًا رسالتها الحضارية والإنسانية والثقافية وإسهاماتها في التاريخ البشري والإنساني والتاريخ الإسلامي على وجه الخصوص؟
من المؤكد أن جميعنا يتطلع إلى مثل هذه اللحظة التاريخية، بل إن جميعنا بطريقة أو أخرى هو ناقل حقيقي وأمين للوجه الحضاري المشرق لبلادنا وما خطه أجدادنا وآباؤنا على جدران الزمن والحضارة والتاريخ، والدور الذي يلعبه كل منا هو دور كبير ومسؤولية عظمى تقع على عاتقنا تجاه الالتزام بإرث بلادنا والحفاظ عليه والتعريف به ونقله إلى العالم في أروع صوره وأبهاها، فالشخصية العمانية المتميزة بسماتها هي محل ترحاب وقبول لدى شعوب العالم، لما عرف عنها من تسامح وسمت وخلق، ومحبة وألفة وتصالح وحب الخير، وتواصل واحترام الآخر في ثقافته ومعتقده ومصالحه وحقوقه.
وما يقوم به اليوم كل عماني تجاه وطنه وحرص على حضوره العربي والإقليمي والدولي من خلال شخصيته السمحة، إنما هو في جانبه الآخر تعبير عن استكماله هذه الرسالة الوطنية التي أولاها الرعاية التامة قائد مسيرة نهضتنا المباركة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ الراعي الأول لتراثنا وتاريخنا، والمبلغ لرسالة بلادنا الحضارية والثقافية، والناقل الأمين لهويتنا، فجلالته ـ أيده الله ـ قد أعطى هذا الأمر اهتمامًا كبيرًا، تنفيذًا للعهد الذي قطعه وبالتعاون مع أبناء هذا الوطن الأوفياء بإعادة الألق الحضاري والتاريخي لعماننا وإعطائها مكانتها التي تستحقها، مثلما كانت، دولة مؤثرة صانعة للتاريخ والحضارة، ومادَّةً لجسور الصداقة والتواصل والمحبة مع الآخرين.
وانطلاقًا من هذه الأهمية التي تتوافر عليها بلادنا؛ تراثًا وحضارةً وثقافةً وفكرًا، وأهمية التعريف بها، وتنفيذًا للأوامر السامية لجلالة السلطان المعظم القائد الأعلى للقوات المسلحة ـ أعزه الله ـ غادرت البلاد أمس سفينة البحرية السلطانية العمانية (شباب عمان الثانية) للمشاركة في سباقات السفن بقارة أوروبا في رحلتها الدولية الثالثة (شراع الصداقة والسلام). حيث ستقوم السفينة خلال رحلتها التي تستمر ستة أشهر بزيارة إلى بحر البلطيق وعدد من الموانئ والدول الأوروبية للمشاركة في سباقات السفن الشراعية الطويلة، والمشاركة في عدد من المهرجانات والاحتفالات. وتسعى سفينة (شباب عُمان الثانية) إلى إيصال رسالتها والمتمثلة في مد أواصر الصداقة والإخاء بين السلطنة ومختلف دول العالم من خلال التعريف بالثقافة العمانية الأصيلة في مختلف محطاتها الدولية مُعرِّفةً بتاريخ عُمان البحري الماجد، وما تنعم به من غد مشرق
بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم القائد الأعلى للقوات المسلحة ـ حفظه الله ورعاه.
إن سفينة شباب عُمان الثانية وهي تمخر عباب البحار إنما ترفع أيضًا أشرعة حكمة السياسة العمانية التي أثبتت دائمًا أنها أقوى من كل هبة ريح عابرة، وتعطي درسًا آخر من هذه الدروس في كيفية حفظ التوازن، والبرهنة على أن السياسة ليست صنوًا للتشدد، بل هي رديف لخفض الجناح واللين والتسامح واحتضان الآخر، والتواصل معه والحرص على مشاركته مناسباته.
هكذا سطرت وتسطر البحرية العمانية قديمًا وحديثًا سطور السلام القائم على الاحترام المتبادل الذي أصبح العالم في حاجة إليه الآن أكثر من أي زمن مضى.