[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/kazemalmosawy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]كاظم الموسوي[/author]
انتاب الدول الأعضاء في الحلف، خصوصا تلك القريبة من الحدود الروسية، القلق من تصريحات ترامب أثناء حملته الانتخابية بأن الولايات المتحدة لن تدافع عن حلفائها الذين لا يساهمون بالتزاماتهم تجاه الحلف؛ كما أثارها قوله عن الحلف بأن "الزمن قد تجاوزه" إضافة إلى موقفه اللين تجاه روسيا، حينها. إلا أن ماتيس حرص على طمأنة نظرائه في الحلف قائلا إن "الحلف لا يزال يشكل ركيزة أساسية للولايات المتحدة وللجميع على جانبي الأطلسي..
لم يسلم حلف شمال الأطلسي (الناتو) من تناقضات مواقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب. فكما يتبدل في تصريحاته في السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأميركية يواصل تقلبه كذلك في الموقف من الحلف. الذي اعتبر عبر تأسيسه عام 1949 أقوى تحالف عسكري إقليمي في العالم للتصدي للبعبع أو الشبح الذي كان يجول في القارة الأوروبية خصوصا والعالم عموما، وتنعته وسائل الإعلام بالخطر الشيوعي والخشية من نشر نفوذه حيثما تصل مؤثراته ومجساته.
رغم تناقضات التصريحات أعلن البيت الأبيض (22/03/2017) أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب سيشارك في 25 أيار/مايو في أول قمة يعقدها حلف شمال الأطلسي منذ توليه منصبه، في مسعى لطمأنة حلفائه القلقين حول التزام إدارته بالحلف وبشأن تصريحاته حول التقارب مع روسيا.
من جهته، كشف الحلف عن حصول لقاء أمينه العام ينس ستولتنبورج مع ترامب في واشنطن في 12 نيسان/أبريل الماضي، والتباحث في "أهمية حلف أطلسي قوي". كما سيلتقي المسؤولان في 25 أيار/مايو في قمة الحلف. أكد الخبر البيت الأبيض في بيان مقتضب مشاركة ترامب فيها وإن "الرئيس يتطلع للقاء نظرائه في حلف شمال الأطلسي من أجل التأكيد مجددا على التزامنا إزاء حلف شمال الأطلسي، ومناقشة مسائل حيوية للحلف ولا سيما تقاسم المسؤولية بين الحلفاء ودور الحلف الأطلسي في الحرب على الإرهاب".
لخص الحلف هدفه الأساسي في "الحفاظ على حريات والإرث المشترك وحضارات" الدول الأعضاء فيه عن طريق تعزيز "استقرار وسلامة منطقة شمال المحيط الأطلسي." وزعم في استهدافه مواجهة التهديدات، والدفاع عن الأعضاء. حيث أكد ميثاقه، لا سيما في مادته الخامسة، أن تتفق الدول الأعضاء على أن أي هجوم على أي منها يعد هجوما على الجميع وأنها ستقف معا لنجدة أي بلد عضو يتعرض لعدوان خارجي.
تأسس الحلف من 12 دولة هي: بلجيكا وكندا والدنمارك وفرنسا وآيسلندا وإيطاليا ولوكسمبورج وهولندا والنرويج والبرتغال وبريطانيا والولايات المتحدة، وانضمت تركيا واليونان إليه عام 1952 تبعتهما ألمانيا الغربية عام 1955. وكانت الولايات المتحدة القوة المهيمنة عسكريا على الحلف وقراراته. ولعبت دورا أساسيا فيه وما زالت بالرغم من تناقضات الرئيس الجديد، دونالد ترامب، الذي نعى في تصريحات له الحلف ومهماته، ومن ثم عدل عنها وحاول أعضاء في إدارته تصحيح الموقف واستمرار الخيارات.
كان جل نشاطه وأهدافه تقع في مواجهة الاتحاد السوفييتي عمليا، لذا فإن تفكك الاتحاد السوفييتي وحلف وارسو، جناحه العسكري، عام 1991 أبطل أسباب بقاء الحلف، إلا أنه استمر يستغل دوره الدفاعي وتبرير سياسة استباقية للتصدي للأحداث التي تقع خارج منطقة نفوذه التقليدية، بحجة أن أي حالة فوضى تقع في أوروبا قد تشكل تهديدا للدول الأعضاء. ولذا شكل الحلف أواخر عام 1995 أول قوة دولية ـ بموجب تخويل من الأمم المتحدة ـ لتنفيذ بعض الجوانب العسكرية لاتفاق السلام في البوسنة.
شن الحلف عام 1999، حملة قصف جوي استمرت 11 أسبوعا على يوغسلافيا بغرض طرد القوات الصربية من كوسوفو، استخدم فيها القوة المسلحة ضد دولة مستقلة ذات سيادة دون تخويل من الأمم المتحدة لأول مرة. وما زالت قوة الحلف التي أطلق عليها "حفظ السلام" عاملة في كوسوفو، رغم تخفيض عددها عام 2012. كما أقدم الحلف على اتخاذ خطوات بناء علاقات جديدة مع دول حلف وارسو السابقة، وعلى الأخص مع روسيا التي كانت تشعر بالريبة إزاء خططه في التمدد للشرق، ومحاصرتها عمليا. وفي عام 1994 عرض الحلف على الدول الأعضاء في حلف وارسو السابق الدخول في شراكات محدودة ضمن برنامج أطلق عليه اسم "المشاركة من أجل السلام"، يتيح لهذه الدول المشاركة في تمارين عسكرية وعمليات حفظ سلام وتداول المعلومات. ومن ثم قبول بعضها كأعضاء فيه. ولكن العلاقات ساءت مرة أخرى بعد إعلان روسيا إعادة شبه جزيرة القرم لها، وإنهاء ضمها لأوكرانيا الذي تم عام 1954، مع توجيه اتهامات أخرى لها. أعادت التفكير بضرورة وأهمية الحلف من جديد. كما قدمت أهداف الحلف إلى الواجهة أمام زعم "خطر" روسيا ومواقفها السياسية والعسكرية.
أحدث غزو العراق واحتلاله أزمة داخله. ورغم أن الحلف لم يشارك بصفته الرسمية في الغزو، إلا أن معظم الدول الأعضاء شاركت فيه. كما قام الحلف رسميا بعد ذلك بتدريب قوات الأمن العراقية الجديدة. وواصل الحلف دورا جديدا لنفسه، بحجة مكافحة ما يسميه بالإرهاب، كما شكّل قوة للتدخل السريع قوامها 9 آلاف عسكري يمكن إرسالها بسرعة إلى أماكن الصراعات حول العالم. وفي عام 2003، نقل الحلف وللمرة الأولى في تاريخه، نشاطاته إلى خارج القارة الأوروبية عندما تولى القيادة الاستراتيجية لقوة حفظ السلام في كابول (العاصمة الأفغانية) وحولها.
اعتمد الحلف في قمة لشبونة (العاصمة البرتغالية) في تشرين الثاني/ نوفمبر 2010، "نمطا استراتيجيا" جديدا تعهد بموجبه بخفض الإنفاق بالتوازي مع منح أولوية للتصدي للتهديدات الجديدة مثل الهجمات على الشبكات الإلكترونية. ونشر منظومة دفاعية ضد الصواريخ تغطي كل أراضي دوله الأوروبية الأعضاء مما يعد تكميلا للخطط الأميركية الخاصة بتشكيل درع صاروخية.
أسهم الحلف أو بعض دوله في فرض منطقة حظر طيران في الأجواء الليبية في آذار/ مارس 2011 وقصف الجيش في تشرين الأول/ أكتوبر من عام 2011. وإسقاط النظام. ولما تزل دول الحلف المركزية، باسمه ومنفردة، تقوم بمهام عديدة في المنطقة العربية، وأحيانا في مناطق أخرى.
إثر لقاء مع وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس في البنتاجون شدد ستولتنبورج على أن الحلف يخدم أيضا مصالح الولايات المتحدة، وليس فقط الاتحاد الأوروبي. مؤكدا أن "حلفا أطلسيا قويا مفيد أيضا للولايات المتحدة، لأن الاستقرار في أوروبا جيد للجميع". وحاول طمأنة الإدارة الأميركية التي تريد مساهمة أكبر من الدول الأوروبية من خلال الإشارة إلى ضرورة "تقاسم العبء بشكل أكثر تكافؤا".
سبق وأفاد وزير الدفاع الأميركي في أول لقاء له مع الحلف في اجتماع بروكسل في 2017/2/25 عن دعم الرئيس ترامب "بقوة" للحلف، مجددا تمسك ترامب بمطلبه من الدول الأعضاء الإيفاء بالتزاماتهم بخصوص مستويات الإنفاق العسكري.
انتاب الدول الأعضاء في الحلف، خصوصا تلك القريبة من الحدود الروسية، القلق من تصريحات ترامب أثناء حملته الانتخابية بأن الولايات المتحدة لن تدافع عن حلفائها الذين لا يساهمون بالتزاماتهم تجاه الحلف؛ كما أثارها قوله عن الحلف بأن "الزمن قد تجاوزه" إضافة إلى موقفه اللين تجاه روسيا، حينها. إلا أن ماتيس حرص على طمأنة نظرائه في الحلف قائلا إن "الحلف لا يزال يشكل ركيزة أساسية للولايات المتحدة وللجميع على جانبي الأطلسي، من خلال الروابط التي تجمعنا".
تناقضات ترامب والحلف ومسؤوليه تكشف عن أزمات متفاعلة داخله وفي السياسات الغامضة والعلاقات العامة، وتبرهن على تحولات ربما تكون خطيرة على صعد مختلفة، من بينها ما يظهر على السطح من تلك التناقضات، والممارسات العدائية.