متابعة ـ فيصل بن سعيد العلوي : تصوير ـ خالد البوسعيدي :
"أنوار الأندلس" .. حكاية الماضي ولقاء "الحضارات" حيث تتناغم كل موسيقى العالم وإبداعها على مسرح واحد .. تتجلى كل أصوات الغناء في صوت واحد .. تعيد لنا تفاصيل الأندلس وتحكي لكنا خيالات الحلم .. هكذا اطلت "هبة القواس" لمدة ثلاثة أيام في ختام موسم دار الأوبرا السلطانية مسقط والذي حكت آخر تفاصيله "أنور الأندلس" امس الأول بحضور كبير شهدته الدار .. حيث اشترك في انجاز هذا الحفل اكثر من 150 شخصا من مختلف انحاء العالم ، مع اوركسترا ترانسيلفانيا الفيلهارمونية بقيادة العالمي جون أكسيلرود وباليه فرقة كارمن كانتيرو وريكاردو لوبيز مع الراقص المنفرد خوسيه مالدونادو ، وغناء أندلسي منفرد . وسينوج رافيا أدان هيرناندز ، تصميم الاضاءة ماتيو دافيسون ، الانتج الفني ريما كريمه ، إخراج أندرياس موريل ، حيث يشارك في العمل عازف الجيتار العالمي خوسيه ماريا جياردو دل ري ، وفي الغناء العربي المنفرد عبدالرحمن محمد ، وهو لعدة شعراء منهم عبد العزيز خوجة وزاهي وهبي وهدى النعماني وندى الحاج والمخرج اندرياس موريل.
استعادت "هبة القواس" في هذه الملحمة الموسيقية المبدعة مجد الاندلس وحلمه عبر قصة دارات فصولها بين ظلال الحب ولهب الغيرة ، لتنكشف الحجب أمام الحب المطلق الذي تغنّيه الفنانة هبة القواس متفلتة من أطر الموسيقى المقولبة ، لتخترع لغة موسيقية كونية مستوحاة من الحضارة العربية الأندلسية، في إطار ساحر غني بالخيال والفنتازيا. حيث يعتمد هذا العمل المتعدد الجهات على الاصالة والمعاصرة ومحاولة الدمج بين الجزءين ، وتكمن صعوبة العمل في عملياته التقنية والديكور حيث يحاول طرح فكرة جديدة معاصرة تحكي الحاضر والمستقبل وتستوحي الماضي لصناعة الاندلس برؤية جديدة .يعد هذا العمل الاوبرالي هو اول عمل انتاج مشترك بين دار الاوبرا وفنان موسيقي ينطلق من مسقط الى العالم ، في رغبة لجمع جذور الماضي من الاندلس بموسيقى درامية يطل فيها "الفلامينكو" بمشاركة الأسبان ، إضافة إلى عازفين من المغرب والجزائر وغيرهم ، يصاحبه الموسيقى المكتوبة التي رافقها الموسيقى والغناء الارتجالي بمرافقة الرقص التقليدي والحديث بين الفلامنكو والباليه على المسرح في تلوين كبير واخراج يمد الجسور في التاريخ والعوالم .يتناول العمل حقبة لتجاوب الشعوب والعولمة باحترام متبادل بين الثقافتين في ثقافة جديدة ممنهجة منقحة تؤتي بالخير للطرفين ، هذه الحقبة بدأت من 711 م الى 1492 ميلادية ، حيث يحمل العمل التعددية والتجمع البشري من جنسيات مختلفة.
وتعد هبة القواس مؤلّفة موسيقيّة ومغنيّة الأوبرا اللبنانيّة لافتة بموهبتها، لافتة بإبداعها ومتألّقة بشخصيّتها الفنيّة الثقافية ، تزامَن مشوارها العلمي مع مسيرتها الموسيقية، فتخرّجت من الجامعة اللبنانيّة حاملة شهادة في العلوم التجريبيّة وبكالوريوس في علم النفس العيادي. حازت على درجة الماجستير في الغناء الأوبرالي بمرتبة الشرف من المعهد الوطني العالي للموسيقى – الكونسرفتوار، وعلى الماجستير بامتياز عالٍ في التأليف الموسيقي ودراسات في علم الموسيقى على يد الدكتور الراحل وليد غلمية. كما توّجت دراستها بدبلوم في البيانو.حصلت القواس على منحة متميّزة من أكاديمية الموسيقى في إيطاليا، حيث تابعت دراسات معمّقة في الغناء الأوبرالي على يد كارلو بيرغونزي، وفي التأليف الموسيقي على يد فرانكو دوناتوني. منذ ذلك الحين انطلقت في التأليف والغناء.
قدّمت القواس المولودة في صيدا أولى حفلاتها وهي في سنّ السادسة. وكرّت سبحة الحفلات الموسيقيّة في لبنان، سوريا، الإمارات العربيّة المتّحدة، القاهرة، تونس، البحرين، عمّان، الدوحة، مسقط، لندن، باريس، إيطاليا، ألمانيا، بولندا، أوكرانيا، البرتغال وأمستردام. هي الرائدة في لبنان والعالم العربي في خلق الأوبرا العربيّة وتكريسها، دون ان تلتبس الأوبرا العربية بالأوبرا باللغة العربية. فلسفة جديدة أرستها القواس من خلال عملها التجريبي طوال خمسة عشر عاماً، قامت فيها بتطويع الحرف العربي ضمن تقنية الأوبرا الغربية، مع ما تجسّده اللغة العربيّة الغنية من اختلاف في الأسلوب والأداء. وهكذا ألّفت وأدّتarias عربية أو أغان أوبرالية عربية، عملت فيها على ايجاد الوضعية الصوتية الأنسب لحمل الحرف العربي الى مساحات صوتية واسعة، مع حرصها على اللفظ العربي وعلى جوهر التقليد الغنائي العربي. وهي تقدّم في الحفلات الغنائية أغاني من تأليفها، آملة في تحقيق أوبرا عربيّة كاملة. تختار القواس من الشعر العربي قصائد لشعراء امتزجت تجربتهم الشعرية بمسارها الموسيقي التجديدي، فجمعت بين الشعر الصوفي والمعاصر، بدءاً بالحلاّج، ابن عربي، ابن الفارض، والمتنبي، مروراً ببدر شاكر السيّاب، أدونيس، هدى النعماني، أنسي الحاج، طلال حيدر، محمود درويش، حمزة عبود، وصولاً الى عبد العزيز خوجة، زاهي وهبي، راغدة محفوظ وندى الحاج.
ألّفت هبة القواس للأوركسترا السمفونيّة وأوركسترا الحجرة والأوركسترا الوتريةّ، كما ألَّفت لمختلف الفرق الموسيقية، والبيانو وللغناء. أضافت في مؤلّفاتها الى الأوركسترا السمفونية، الآلات الموسيقيّة العربيّة التقليديّة، بحيث مزجت عناصر الموسيقى الشرقيّة العربيّة بتقنيّات التأليف العالميّة، بانية بذلك جسرًا بين الموسيقى الشرقية العربية والأشكال الكلاسيكيّة والنيوكلاسيكيّة والموسيقى المعاصرة. على هذا النحو، كشفت عن براعة في مدّ جسرٍ بين الأنواع الموسيقية المختلفة، لاغية بذلك الحواجز الثقافية. سجَّلت اكثر من عشرين عملاً موسيقيًّا من تأليفها الخاص، مع أوركسترا دنيبروبتروفسك السمفونيّة بقيادة فياتشسلاف بلينوف، كما سجّلت عشرة أعمال مع الأوركسترا السمفونيّة لأكاديميّة كراكوف الموسيقيّة بإدارة فويتشك تشابيل، بالإضافة الى عشرين عملاً مع الأوركسترا السمفونيّة الوطنيّة الأوكرانيّة وكورال كييف الوطني بقيادة فلاديمير سيرنكو.