الزيارة التي قام بها البابا فرنسيس الأول بابا الفاتيكان لمنطقة الشرق الأوسط مؤخرا زار خلالها الأردن وفلسطين وإسرائيل وضعت الكثير من علامات الاستفهام حول المغزى والهدف من هذه الزيارة هل قام بها البابا لهدف ديني بحت وزرع غصن زيتون كما يقولون أم أن لها بعدا سياسيا خفيا ؟.
لقد دخل بابا الفاتيكان الأراضي الفلسطينية المتعطشة للسلام من الأردن وليس من إسرائيل وهذه بالتأكيد نقطة تحسب له وتعطي دفعة معنوية إيجابية للفلسطينيين وترسل إشارة لبني صهيون بأن هناك حقوقا عربية عليهم أن يحترموها .. ثم زار العديد من الأماكن المقدسة واجتمع مع عدد من الشخصيات المسيحية والمسلمة ودعا في نهاية رحلته اتباع الديانات السماوية الثلاث إلى الصلاة من أجل السلام وأن يكونوا جميعا دعاة عدل ورحمة للبشر وعدم استخدام العنف باسم الله وأن نكون جميعا إخوة نفهم آلام الآخر .. ثم دعا الإسرائيليين والفلسطينيين إلى "البحث عن تسوية النزاع بينهما استنادا إلى تطبيق حل الدولتين" كما طالب الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز بحرية وصول المؤمنين إلى الأماكن المقدسة في القدس والحج والمشاركة في الاحتفالات بها بسهولة واعتبارها مدينة للسلام للبشر جميعا .. لاسيما أن المدينة المقدسة لها مكانة خاصة لدى المسيحيين والمسلمين واليهود على حد سواء والقيود التي تفرضها إسرائيل على دخول المدينة تحرمهم الحصول على حقهم في العبادة.
إن البابا فرنسيس الأول كان يهدف إلى القيام بزيارة دينية وروحية لكن كالعادة حاول بنو صهيون توظيف الزيارة لصالحهم واستغلال البابا في تلميع صورتهم وكسب تأييده .. فطالبوه بزيارة نصب إحياء ذكرى القتلى الإسرائيليين الذين سقطوا في هجمات والجدار الفاصل الإسرائيلي ونصب ضحايا محرقة اليهود في الحرب العالمية الثانية ووضع إكليل من الزهور على قبر تيودور هرتزل مؤسس الصهيونية وهي خطوات غير مقررة بالزيارة أراد الصهاينة منها أن يظهروا للعالم أن الكنيسة تقف في صفهم وأن البابا شخصيا قام بتكريم مؤسس الصهيونية وهي ما تعتبر سقطة للبابا الذي يعتبر أول من قام بهذا التكريم في تاريخ الفاتيكان .. ولكننا نفترض دائما حسن النية فقد طالبه نتنياهو بذلك وحياء فرنسيس الأول منعه من الرفض رغم إدانته لمعاداة السامية بكافة أشكالها !!.
كما وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي جدار الفصل العنصري بأنه منع عن بلاده الإرهاب والإرهابيين وهنا نرد على نتنياهو لقد تنقل البابا فرنسيس بين الفلسطينيين بدون حماية أو سيارات مصفحة فلماذا لم يتعرض للإرهاب كما يدعي ؟.. بل على العكس لقد أظهر الفلسطينيون أن بلدهم آمن وأنهم لا يتصفون بالعنف والإرهاب كما يزعم اليهود.
الطريف أن رئيس الوزراء الإسرائيلي لم ينجح في خداع البابا فرنسيس ويزيف التاريخ كعادته حيث ادعى أن المسيح عليه السلام كان يتحدث العبرية فصحح له البابا المعلومة بأنه كان يتحدث الآرامية فما كان من نتنياهو إلا أن برر موقفه بأنه كان يتحدث الآرامية ولكنه كان على دراية بالعبرية على اعتبار أنها كانت لغة الطبقات الدنيا أيام المسيح .. لتتبين النوايا الخبيثة لليهود بأنه حتى اللغة يسعون إلى تسييسها.
إن مواقف البابا فرنسيس الأول منذ أن تولى مهام عمله لا تتميز بالعنصرية تجاه المسلمين التي كنا نراها من قبل وربما يرجع ذلك إلى أصوله الأرجنتينية (وليست أوروبية كما كان سابقوه فهو أول بابا من أميركا اللاتينية يصل إلى الفاتيكان) وصداقته لعالم مسلم وبالتالي هو يؤمن بأن الإسلام دين سماوي وأنه يدعو إلى التسامح والتعايش وليس كما كان يروج سلفه بأنه انتشر بحد السيف .. كما أن فرنسيس الأول خلال زيارته للمدينة المقدسة رغم أنها الثالثة لبابا فاتيكان إلا أنها جاءت في مجملها غير منحازة بصورة فجة لبني صهيون كما كانت زيارات سابقيه التي كانت تؤكد على عمق العلاقة التي تربط بين الكنيسة واليهود شعبا ودولة مما يرسخ لمفهوم قيام دولة يهودية على حساب الأراضي الفلسطينية العربية والإسلامية .. ولكن البابا فرنسيس الأول دعا الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني إلى السلام على حد سواء وإلى وقف أعمال التخريب ومظاهر عدم التسامح حيال الأشخاص أو أماكن العبادة اليهودية والمسيحية والمسلمة وهذا في حد ذاته يظهر رغبة البابا الحقيقية في تحقيق السلام والعدل والتسامح بين أصحاب الديانات وأن زيارته لم تكن سياسية لدعم بني صهيون أو مجاملتهم.
إن تصريحات البابا تدل على أنه أدرك أن ما يجمع المسلمين والمسيحيين في البلاد الإسلامية وفي المشرق العربي على وجه التحديد مصير واحد لا مثيل له في العالم وعلى امتداد قرون طويلة اتحدت الديانتان ولم تعرفا ما عرفته طوائف أخرى من العالم من فتن ومشاكل واختلافات فالإسلام الحنيف أرسى علاقات عادلة بين الدينين وساوى بين أفرادهما في التعامل بعكس إسرائيل التي تعمل على توزيع جرائمها على المسلمين والمسيحيين في فلسطين المحتلة كما أنها لا تجد حرجا أمام سمع العالم وبصره في تدنيس المقدسات الإسلامية والمسيحية تمهيدا لتهويدها.
نتمنى أن تستمر سياسة البابا فرنسيس الأول ولا يتأثر بالضغوطات اليهودية وأن يستطيع بمؤسسته التأثير على الرأي العام العالمي لإعادة الحقوق المنهوبة إلى أصحابها.

* * *

"شاعر المليون" مسابقة الحفاظ على التراث
كلما بدأت أو انتهت مسابقة "شاعر المليون" يثور التساؤل دائما هل مثل هذه المسابقات تصب في صالح لغتنا العربية أم أنها تنتصر للعامية على الفصحى ؟.
لقد تابع عشاق الشعر النبطي المسابقة التي اختتمت مؤخرا ونال فيها بيرق الشعر ولقب "شاعر المليون" والجائزة المالية الضخمة التي تصل إلى 5 ملايين درهم إماراتي الشاعر الإماراتي سيف سالم المنصوري يليه في المركز الثاني الشاعر العماني كامل البطحري الذي نال 4 ملايين درهم ثم السعودي مستور الذويبي ثالثا بجائزة قدرها 3 ملايين درهم فالبحريني محمد العرجاني في المركز الرابع ثم الإماراتي علي القحطاني .. ولعل ما ميزها هذا العام هو المنافسة الشديدة والنضج الذي غلفها حيث ظهر في أشعار المتنافسين القوة والرصانة والفصاحة والاستعانة بالصور الجمالية غير المتكلفة المستوحاة من البيئة المحيطة بهم.
إن مسابقة "شاعر المليون" منذ انطلاقها في عام 2006 تتطور عاما بعد آخر ومواهب المتنافسين تزداد عمقا وجمالا ومن الواضح أنهم عرفوا كيف يستفيدون من تجارب من سبقوهم في المواسم الماضية .. كما أن أعداد المتقدمين وصل في نسخة هذا العام للمئات من مختلف أنحاء الوطن العربي الذين تمت تصفيتهم تدريجيا حتى وصل إلى المرحلة النهائية 6 متسابقين كانت الفروق بينهم ضئيلة وأثبتوا جميعا مقدرتهم على نظم الشعر وإلقائه بطريقة مشرفة وأنهم حقا مبدعون ويستحقون جميعا اللقب الغالي ولكن الجمهور حسم الموقف بالتصويت وهو ما يجعلنا نشك بأن مثل هذه المسابقات بالرغم مما فيها من متعة إلا أنها في النهاية تخضع لحسابات مادية بحتة والرغبة في التربح من مكالمات التصويت وليس بتقييم الموهبة بشكل حرفي سليم.
نحن نعترف بأن مسابقة شاعر المليون أمتعتنا جميعا بالشعر النبطي الجميل الذي هو صوت تراثنا الخليجي الأصيل .. فهو أداة بديعة لتوثيق التراث التليد حيث كان الشعر النبطي وسيلة أجدادنا في التعبير عن مشاعرهم والظروف التي تحيط بهم وتضمنت الكثير من القصائد التراثية العديد من الحكم والعظات ووصف مناسبات الأتراح والأفراح والشكوى والهجاء والرثاء وغيرها .. من هنا فإن المسابقة لها مكانة خاصة في نفس كل خليجي لأنها تقاوم تأثر اللهجات الأصيلة بالحداثة واقتحام الألفاظ الغربية لها.
لاشك أننا بحاجة لمثل هذه البرامج التي تربط الجيل الجديد بالتراث العريق فهي تحميه من الاندثار والتشويه والتحور فعصرنا الحديث تسعى فيه العولمة لطمس الحضارات السابقة التي تميز الشعوب والانصهار في بوتقة واحدة لا ملامح لها .. وإحياء لغتنا الأصيلة والحفاظ عليها هو واجب كل مواطن .. رغم أننا لا ننكر أن الألفاظ التي استخدمها المتسابقون اعتراها بعض التغيير واللهجة أصبحت أكثر سهولة ولعلهم يهدفون من وراء ذلك إلى الوصول لعقل المشاهدين بكل سهولة ويسر.
إن الشعر النبطي رغم أنه عامي إلا أنه يضاهي الشعر الفصيح في طريقة نظم القصيدة وأصولها وتقسيمها مما يمنحها مذاقا مختلفا يضفي راحة وصفاء على من يقرأها أو يستمع لها قلما يوجد في أنماط الشعر الأخرى المنتشرة على الساحة الأدبية التي لا تجد لها قافية أو تركيب فلا تعرف هل هي شعر أم نثر أم مجرد حكاوي للشاعر يريد أن يخرج من خلالها ما يعتري صدره من ألفاظ.
نتقدم بكل التهاني لشاعر المليون وكافة الفائزين ونتمنى أن تستمر المسابقة في الحفاظ على تراثنا الأصيل وأن تظل تثري الساحة الثقافية بالمزيد من المبدعين فطرح مثل هذه المسابقات الشعرية وجوائزها التشجيعية يعمل على تطوير ثقافتنا العربية والحفاظ عليها في ذات الوقت إلى جانب ضمان استمرارية ظهور المواهب المتفردة القادرة على الإبداع من خلال التنافس الشريف.

* * *
آخر كلام
قيام الحياة ليس في طول بقائها .. وإنما في قوة عطائها.


ناصر اليحمدي