[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]
ينظر إلى مناطق خفض التصعيد التي دخلت حيز التنفيذ على أنها خطوة أولى وجيدة نحو خفض الهجمات الإرهابية والعنف في المناطق التي تسيطر عليها التنظيمات الإرهابية المسلحة، بحيث تقود هذه الخطوة إلى خطوات أكبر وأجدى لصالح الشعب السوري وللدولة السورية، كتوقف عمليات التهجير القسري التي تقوم بها التنظيمات الإرهابية المسلحة ضد المدنيين السوريين لأسباب وأهداف باتت معروفة ومفضوحة، وبالتالي إتاحة الفرصة لعودة المهجرين إلى قراهم ومدنهم، وتمكين الحكومة السورية بصورة أريحية من إيصال المساعدات الإنسانية إلى المدن والقرى التي تجثم على صدرها التنظيمات الإرهابية وتحرم أهلها من وصول المساعدات الإنسانية إليهم، أو تقوم بنهب ما لديهم من كسرة خبز. كما أنه من المفترض أيضًا أن تسمح خطوة مناطق خفض التصعيد أو التوتر بفصل المسلحين عن تنظيمي "داعش والنصرة" الإرهابيين، وبالتالي اختيار هؤلاء المسلحين إما الانضمام إلى التنظيمين وسلوك طريق الإرهاب والعنف والتدمير، وإما التوقف عن ذلك والوقوف لحظة صادقة مع النفس ومراجعتها والفهم بأن حمل السلاح ضد الدولة والشعب والجيش والحكومة لا ولن يعبِّر مطلقًا عن معنى "الثورة" ولن يدل مطلقًا على مصطلح "معارضة"، فحمل السلاح ضد الشعب والجيش والحكومة، تحت طائلة وجود مطالب يمكن أن تتحقق بالطرق السلمية والحوار، إنما هو تمرد ويصل إلى الخيانة العظمى لا سيما وأنه أصبح مرتبطًا بأعداء الدولة السورية؛ لذلك الجنوح إلى الحوار والحل السياسي والتخلي عن الإرهاب والعنف والتدمير والعمالة هو التعبير الصادق عن "المعارضة" الوطنية التي ـ دون شك ـ تفرض احترامها أمام الجميع، بل تجلب تعاطف الجميع.
على الجانب الآخر، تتيح مناطق خفض التصعيد التي تم الاتفاق عليها في أستانا فرصة مناسبة لمواصلة الحكومة السورية المصالحات وتسوية أوضاع المسلحين الراغبين في ذلك، في المقابل تتفرغ الدولة السورية ممثلة في الجيش العربي السوري لتطهير المدن والقرى التي يلوثها إرهاب "القاعدة" كما هو حال دير الزور وحماة وإدلب وغيرها، حيث إن الاتفاق لا يشمل ذراعي تنظيم "القاعدة" الإرهابي "داعش والنصرة" اللذين لا يزالان يطبقان بإرهابهما على العديد من المدن والقرى السورية، فضلًا عن أن مظاهرات بدأت تخرج في المدن والقرى الملوثة بالإرهاب القاعدي لمطالبة الحكومة السورية بالتدخل السريع لتطهيرها من هذا الإرهاب، كما هو الحال في الغوطة الشرقية. على أن الأهم أيضًا الذي من المفترض أن يحققه اتفاق تحديد مناطق خفض التصعيد هو تحييد أو إضعاف دور العدو الإسرائيلي المساند دائمًا لذراعي تنظيم القاعدة "داعش والنصرة" وأتباعهما من التنظيمات الإرهابية الأخرى؛ لكون هذه التنظيمات كلها تعمل على خدمته وتأمين كيانه المحتل الذي جعل منها سياجًا أمنيًّا على خطوط التماس مع سوريا، ولهذا لم يكتفِ بدعمها بالعدوان عبر الطيران الحربي، بل عمل على نشر المستشفيات الميدانية لعلاج من أصيب لإعادته فورًا إلى أرض المعركة ليدافع عن المستعمرة الكبرى المسماة "إسرائيل".
لقد لوحظ انحسار الإرهاب والعنف في المناطق التي شملها اتفاق أستانا، لكن السؤال يبقى: هل سيصمد هذا الاتفاق أم أن الرؤوس الحامية المتربصة بسوريا والساعية إلى تدميرها ستعمل على إفشال هذا الاتفاق كما عمدت إلى إفشال ما سبقه من اتفاقات وتفاهمات ومؤتمرات؟ هذا ما ستجيب عليه الأيام التالية.
إن فكرة إنشاء مناطق خفض التصعيد هي من الذكاء بمكان، سواء لجهة أنها لبَّت رغبات وحقَّقت أهدافًا لطالما حلم بها معشر المتآمرين والطامعين في سوريا بإقامة مثل هذه المناطق، وبالتالي وضعهم أمام محك حقيقي على أرض الواقع لتبين صدق نياتهم وشعاراتهم وتوجهاتهم التي رفعوها منذ بداية تفجير مخطط استهداف سوريا، بذريعة حماية المدنيين مما يدَّعونه "بطش النظام"، أو لجهة توفير الجهد لقوات الجيش العربي السوري ومن معها من الحلفاء وتوجيهه نحو مناطق سورية، يمثل تطهيرها من رجس الإرهاب في الميزان العسكري والثقل السياسي قيمة إضافية إلى حجم المنجز، يتساوى مع القيمة المحققة بتحرير مدينة حلب، ونعني بهذه المناطق تحديدًا محافظة دير الزور، حيث تتجه خطط الجيش العربي السوري والقوات الحليفة نحو المحافظة انطلاقًا من تدمر من أجل فك الحصار الذي يطبقه عليها تنظيم "داعش" الإرهابي؛ لذا فإن النجاح في تطهير دير الزور وفك الحصار عنها وإعادتها إلى حضن الدولة السورية بالكامل سيعني إنجازًا كبيرًا، وسيقطع الطريق على مخطط السيطرة على الشريط الحدودي الممتد من درعا ودير الزور والطبقة والرقة وحتى القامشلي والحسكة شمالًا بهدف فصل الجغرافيا وتقطيعها وعزل محور المقاومة من التواصل والاتصال، وهذا الإنجاز إذا ما تحقق فإنه أيضًا سيقرب كثيرًا الجيش العربي السوري وحلفاءه تجاه الرقة وإدلب.
غير أنه وكما أثبتت الأحداث منذ بداية تفجير مخطط استهداف سوريا وحتى راهنه، فإن الشيطان يكمن في تفاصيل التفاصيل، والرؤوس الحامية المتربصة بسوريا والمعدة والداعمة لمخطط تدميرها لا بد وأنها قد أعدت سيناريوهات لإفشال اتفاق مناطق خفض التصعيد إذا ما رأت تحديدًا أن حصاده يصب في سلة الدولة السورية. ولعل سيناريو السلاح الكيماوي قد يكون أُعِدَّ لهذا الغرض أو ربما لغيره، وما صرح به دبلوماسي روسي لوكالة "سبوتنيك" بأن لدى موسكو معلومات مؤكدة وموثقة أنه قد تم الانتهاء من تصوير فيديو تمثيلي باستخدام سلاح كيماوي ضد مدنيين سوريين يؤيد استنتاجنا هذا. بالإضافة إلى أن هذه المناطق قد يمكن استغلالها لإدخال أسلحة نوعية ومزيد من الإرهابيين والتكفيريين، وتنظيم صفوفهم، وجمع معلومات إضافية عن تحركات الجيش العربي السوري وأسلحته، مع أهمية التأكيد أن ثمة تجارب سابقة في هذا الشأن، لا سيما تجربة اتفاق وقف الأعمال القتالية الذي يمكن القول إن اتفاق تحديد مناطق خفض التصعيد ليس سوى نسخة منه. لذلك على الأطراف الضامنة ونعني بهم تحديدًا روسيا الاتحادية والجمهورية الإسلامية الإيرانية أن يأخذوا في الحسبان تجارب الماضي، ووضع الإجراءات اللازمة لتفادي أي خديعة يراد من ورائها استغلال هذه المناطق في إنجاح مخطط تقسيم سوريا. فمن نهَبَ أموال شعبه ليخدم بها أعداء الأمة لتدميرها لن يتورع عن مواصلة ما بدأه وما أنجزه من قبل.

[email protected]