[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/alibadwan.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]علي بدوان[/author]
”إن الغرب عمومًا، والولايات المتحدة خصوصًا، يُدركان اليوم الآن أكثر من أي وقتٍ مضى، بأنه لا يُمكن وصف مسار صعود الصين خلال السنوات التالية سوى بــ"الصعود الصاروخي للتنين الصيني" على كل المستويات، حيث تتربع جمهورية الصين الشعبية الآن في الموقع الاقتصادي والتجاري الثاني على سطح المعمورة بعد الولايات المتحدة، وتَضُمُ بنوكها المخزون الأول من الودائع بالعملات الصعبة على مستوى العالم بأسره.”

التسخين العالي، العسكري، والإعلامي من حيث ارتفاع وتيرة الخطاب السياسي، في منطقة شبه الجزيرة الكورية، غير مُنفصل البتة، عن الصراعات المُتقدة تحت الجمر في مسار العلاقات الصينية الأميركية، والأميركية الروسية بشكلٍ عام. فالتسخين في الملف الكوري الشمالي لم يأت كصاعقةٍ في سماءٍ صافية، بل جاء في متوالية استمرار تصاعد الصراع الخفي بين الولايات المتحدة صاحبة الاقتصاد الأول في العالم، وجمهورية الصين الشعبية صاحبة الاقتصاد الثاني، ووجود حالة من السعي الروسي لإعادة الثنائية القطبية على مستوى القرار الدولي.
إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، حاولت التخفيف قدر الإمكان من حدة الملاسنات الإعلامية التي جرت خلال أكثر من محطة مع الصين الشعبية خلال السنوات الماضية، واستطاعت أن تضبط إلى حدودٍ معينة السياسات الأميركية الخارجية بشأن قضايا بحر الصين الجنوبي وتايوان وكوريا الشمالية، خشية من الغوص في ملفاتٍ مُعقّدة، كانت واشنطن بغنى عنها في ذلك الحين، وركّزت على الجانب الاقتصادي في الملفات العالقة بينها وبين الصين، بالرغم من انعقاد أكثر من قمة مُشتركة بينهما على مستوى الرؤساء.
إن القمة الصينية ـ الأميركية التي عقدت مؤخرًا، في نيسان/ابريل الماضي 2017، بين الرئيسين الأميركي (دونالد ترامب) والصيني (شي جينبينج) في منتجعه الخاص في ولاية فلوريدا في أول قمة تجمع الزعيمين، ورغم الابتسامات التي سادت طوال أعمالها، وخروجها بنتائج إعلامية إيجابية، حين تحدثت وسائل الإعلام الأميركية عن (صداقة) نشأت بين ترامب والرئيس الصيني بعد أن تناولا العشاء في منتجع (مارالاجو). إلا أن حقيقة الأمور تقول بأن مطالب الرئيس دونالد ترامب من نظيره الصيني (شي جينبينج) لاتخاذ إجراءات ضد كوريا الشمالية لم تفلح، فيما سعت الصين الشعبية في تلك القمة أساسًا للحصول على تطمينات أميركية بشأن جزيرة تايوان التي تُعتبر بكين من الوجهة الصينية جزءًا من الوطن الصيني. كما في تهدئة المواقف الأميركية المتشنجة بشأن المواضيع الاقتصادية والاتهامات الموجهة لبكين.
إن المؤشرات ومُعظم التقديرات، المبنية على المعلومات والمؤشرات الملحوظة، تشي بأن حزمةً من التغييرات في السياسة الخارجية الأميركية بدت ملامحها الآن، وذلك في التعامل مع عدد من القضايا الحيوية بالنسبة للسياسة الأميركية الخارجية، وعلى رأسها قضايا جنوب شرق آسيا، حيث استشعار مصادر القرار في الولايات المتحدة أن الجزء الأكبر من أحداث العقود المقبلة الاقتصادية والسياسية سيُحدد في تلك المنطقة من العالم، إضافة لقضايا الشرق الوسط، مع إدراك واشنطن تراجع قدرتها على الاستمرار بتحمل أعباء وجودها في الشرق الأوسط بالمستويات نفسها خلال العقود الماضية، خصوصًا مع بروز الحاجة لتعزيز الوجود الأميركي في جنوب شرق آسيا، وتغيُّر الأولويات.
الاتجاه العام لمصدر القرار في الولايات المتحدة، وحتى في الفترة الأولى من رئاسة الرئيس السابق باراك اوباما، حَدَدَ أكثر من مرة ضرورة السعي لتعزيز حضور الولايات المتحدة في جنوب شرق آسيا، مع التنامي المُتسارع لقدرات الصين الاقتصادية والعسكرية، وحضورها المُتزايد في تلك المنطقة وبحر الصين الجنوبي، وهو ما دَفَعَ للتفكير أميركيًّا بنقل الثقل من مناطق مُختلفة في العالم، إلى جنوب شرق آسيا. وتقليل الوجود في الشرق الأوسط لتوفير موارد كافية لإعادة التوازن إلى تلك المنطقة المتوقع أن تشهد سخونة مُتراكمة بالتتالي، خلال السنوات القادمة. لكن التطورات الدراماتيكية التي وقعت في منطقة الشرق الأوسط دفعت الإدارة الأميركية السابقة للتريث قليلًا، بل وتوريث ملف بحر الصين الجنوبي وتايوان وكوريا الشمالية للإدارة التالية.
إن الغرب عمومًا، والولايات المتحدة خصوصًا، يُدركان اليوم الآن أكثر من أي وقتٍ مضى، بأنه لا يُمكن وصف مسار صعود الصين خلال السنوات التالية إلا بــ"الصعود الصاروخي للتنين الصيني" على كل المستويات، حيث تتربع جمهورية الصين الشعبية الآن في الموقع الاقتصادي والتجاري الثاني على سطح المعمورة بعد الولايات المتحدة، وتَضُمُ بنوكها المخزون الأول من الودائع بالعملات الصعبة على مستوى العالم بأسره.
فالصعود الصيني على كل المستويات، حَصَلَ واقعيًّا ليَكسر تقديرات واشنطن التي كانت تقول مع نهاية الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفييتي السابق وتفكُكِه، أن الصين ستلتحق عاجلًا أم آجلًا بنظيرها السوفييتي من حيث التفكك وانهيار نظامها الشمولي القائم على حكم الحزب الواحد.
لذلك، تعاملت واشنطن مع بكين بُعيد انتهاء الحرب الباردة أوائل تسعينيات القرن الماضي، على أنها أكبر بقليل من قوة إقليمية يُمكن ضبط إيقاعها بوسائل مُختلفة، لكن قدرات الصين تطورت تطورًا هائلًا بعد ذلك على المستوى الاقتصادي بالدرجة الأولى، وفي اتباع سياسات الانفتاح المدروسة والمضبوطة بإيقاعات دقيقة، وفتح أبواب الاستثمارات الداخلية والخارجية، بل وزادت من انتشارها العسكري في بحر الصين الجنوبي، بما في ذلك إقامة عدد من الجزر الصناعية وتحويلها إلى قواعد عسكرية صينية لتأكيد الوجود الصيني في تلك المنطقة الحساسة، بل ورفع مستوى المطالبة بما تعتبره حقًّا لها في المطالبة بالجزء الأكبر من بحر الصين الجنوبي بما في ذلك مناطق قريبة من سواحل عدد من دول جنوب شرقي آسيا.
وخلاصة القول، إن الموضوع الكوري الشمالي، غير بعيد على الإطلاق عن الملف الشامل لتلك المنطقة، بما في ذلك المشاكل والمواضيع المتعلقة بالاقتصاد والتجارة، حيث ترى العديد من المنابر الإعلامية الأميركية ترى بأن الرئيس الأميركي دونالد ترامب مُحقّ في تسليط الضوء على قضيّة التجارة مع الصين. إذ لا توجد دولة في العالم اليوم تلعب دورًا يوازي في أهميّته دور الصين في التجارة العالميّة. وتُشير تلك المصادر أيضا بأن الرئيس دونالد ترامب ما زال في مرحلة الاجتماعات المُكثّفة مع فريقه لتطوير مقاربته للتجارة، حيث هناك جوانب كبيرة من سياسات التجارة والاقتصاد الصيني غير عادلة في وجه الاستثمارات الأجنبيّة من وجهة نظر واشنطن، وهو يُريد أن يبدأ النقاش من هذه النقطة تحديدًا. بعد ذلك، سيكون على ترامب أن يسعى للوصول إلى مقاربة جديدة تُحقق له النتائج التي يطمح إليها.