[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]
بغض النظر عن ما يقال بأن رغبة الولايات المتحدة في فتح أبواب الحوار مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية كانت الضوء الأخضر للدول (الحليفة) للولايات المتحدة الأميركية للتخلي عن المقاطعة، إلا أن الزيارة التاريخية التي قام بها أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد إلى طهران ولقاءه القادة الإيرانيين وما تمخض عنها من توقيع اتفاقيات اقتصادية ومذكرات تفاهم، يمكن أن تكون فاتحة لعهد جديد في ضوء ما تمر به المنطقة من منعرجات سياسية واقتصادية وأمنية.
لقد ظلت المنطقة على الدوام على صفيح ساخن جراء التدخلات الغربية بحثًا عن تحقيق المطامع الاستعمارية المتلفعة بأثواب الصداقة والتحالف ومعاهدات الحماية، وعلى الرغم من تغيير الشكل الذي أرادته القوى الغربية الاستعمارية الامبريالية ليبدو استعمارها في صورة متحضرة مألوفة ومقبولة عن تلك الصورة النمطية القديمة الراسخة في الأذهان من استلاب للثروات وطاقات الإنسان، فإن التدخلات الغربية في الشأن الداخلي لدول المنطقة لم تنكفئ يومًا أو لحظة.
وكعادة أي تدخل خارجي ينوي البقاء طويلًا، فإن القوى الغربية الطامعة نهجت المنهج ذاته الذي استخدمته في السابق وهو "فرِّقْ تسُدْ" والذي أحدث شرخًا عموديًّا وأفقيًّا في مسار العلاقات، سواء العلاقات العربية البينية أو علاقات الدول العربية بجوارها. وتعد اجتماعات قمم جامعة الدول العربية أكبر دليل على عمق التدخل الغربي في الشأن الداخلي العربي وشرخه العلاقات العربية، حيث منسوب الخلافات وصل إلى حد القطيعة، في الوقت الذي بلغ فيه التدخل الغربي التدميري مبلغه بتقسيم العرب إلى معسكرين أحدهما "معتدل" والآخر "ممانع" وذلك حسب التبعية والولاء، ورفضهما.
وإزاء علاقات الدول العربية بدول الجوار الإقليمي وتحديدًا العلاقات بالجار الإيراني، مارست القوى الغربية المؤثرة على مواقع القرار السيادي في بعض الدول العربية إملاءاتها بوجوب التخندق معها في خندق المواجهة والمعاداة للجار التاريخي والطبيعي والجغرافي والأزلي (الجمهورية الإسلامية الإيرانية)، بعد أن نجحت تلك القوى الغربية في تصوير إيران في أذهان بعض السياسيين العرب على أنها الدهماء والغدة السرطانية التي تتهدد بقاء الشكل الجغرافي المشاهد لمعظم الدول العربية، محوِّلةً بذلك دول زيت إلى بقرة حلوب لتدوير تروس اقتصاداتها وتشغيل مصانعها العسكرية لتكديس مختلف الأسلحة بمئات المليارات من الدولارات. وفي الوقت الذي كانت عائدات الزيت تعود إلى مشتريه بصورة غير مباشرة، كانت الجمهورية الإسلامية الإيرانية توظف كل دولار يعود إلى خزينتها في البناء النوعي والاستراتيجي للعقل والفكر الإيراني الذي استطاع أن يبهر العالم ويثير في الآن ذاته الحقد والكراهية لدى الأعداء الذين فشلوا في مختلف مراحل المواجهة في تحقيق أي اختراق حقيقي يسمح لهم بإحداث أي تغيير جوهري، معلنين بالتالي استسلامهم وإذعانهم اعترافًا بإخفاقاتهم وفشلهم. فالإبهار الإيراني وإرغام العدو بالاعتراف بإيران قوة إقليمية ودولية مؤثرة وفاعلة، يعود الفضل في ذلك إلى التوظيف الناجح للثروة، والاستثمار الناجح في الإنسان الإيراني، وتعظيم معنى السيادة والاستقلال والكبرياء والطموح نحو التقدم ومنافسة الآخرين في شتى مجالاته.
وفي التحليل الجوهري لواقع زيارة أمير الكويت إلى إيران، لا يبدو الجدل حولها مبررًا ولا حتى مقبولًا، لكونها تأتي استدراكًا لسياسات عربية وإقليمية لا تصب في مصلحة الاستقرار والتنمية التي تنشدها المنطقة خاصة وأن دولة الكويت تترأس حاليًّا مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية، فدولة الكويت ممثلة في شخص أميرها تحظى باحترام واسع وكبير، سواء على الصعيد الخليجي أو العربي أو الإقليمي والدولي، والنهج السياسي الذي اختطه الشيخ صباح الأحمد قائم على التقارب وتقوية العلاقات ورفض التدخلات في شؤون الآخرين وتبادل المصالح المشتركة واحترامها، ولذلك فإن هذه العوامل مجتمعة تجعل من الكويت شريكًا حقيقيًّا للآخرين من محبي السلام والاستقرار في صنعهما وتأمين الأمن والسلم الدوليين. ومن شأن هذه الشراكة أن تضع حدًّا لـ"فوبيا التشيع" التي يعزف على أوتارها الغرب الاستعماري هادفًا من وراء هذه السياسة إلى إطالة أمد بقائه في المنطقة واستمرار مصالحه، وإشغال العرب بقضايا مصطنعة عن الاهتمام بالتنمية، وإبعاد أي جهد أو اهتمام عربي ـ إقليمي أو عربي ـ إسلامي نحو القضية الفلسطينية، قد يشكل تهديدًا حقيقيًّا لحليفه الاستراتيجي كيان الاحتلال الصهيوني.
لقد شكلت "فوبيا التشيع" سلاحًا بيد الغرب الاستعماري في ظل عجزه عن المواجهة المباشرة، مستخدمًا بعض العرب الموهومين كباشًا لتحقيق مآربه ومشاريعه، وسط صراخ وضجيج يبلغ في بعض تدرجاته عويلًا سياسيًّا يصل إلى مرتبة النحيب على ما يسميه "خطرًا إيرانيًّا" و"غزوًا شيعيًّا" كان تسوله الحوار مع طهران أولى علامات كذبه بوجود هذا الخطر. وبالتالي كل ما كان من مساجلات رسمت تعرجاتها على خريطة الأحداث هو افتعال لم يجنِ المرجفون في الأرض من ورائه سوى الانكسار والخيبات.
فهل يمكن أن تكون زيارة الشيخ صباح الأحمد إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية بداية عهد جديد ومراجعة سياسية خليجية وعربية، تعوض جراحات الماضي وتتدارك عذابات الحاضر، وتنشد المستقبل المشرق لجميع أبناء المنطقة؟