[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/alibadwan.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]علي بدوان[/author]
”إن نجاح تشكيل الحكومة الإئتلافية الفلسطينية الجديدة، يسهم بتعزيز الوضع الداخلي الفلسطيني أمام "عركة" كبيرة قد تكون قادمة مع الاحتلال "الإسرائيلي"، ويوفر الفرص لإنجاح الخطوات الفلسطينية القادمة من أجل إجراء العملية الانتخابية الديمقراطية المنتظرة لانتخاب مجلس تشريعي جديد للقدس والضفة الغربية وقطاع غزة بدلاً من المجلس الحالي الذي انتهت ولايته،”
ــــــــــــــــــــــ
مهام عاجلة تنتظر حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية لتحقيق نقلات نوعية على أكثر من صعيد. ففي الجانب الداخلي تتصدر سلم الأولويات مهمة العمل على حل مشكلات الناس اليومية المتعلقة بتوفير الأمن، وتسييد القانون على الجميع، ومنع مظاهر الانفلات، والتعدي على الحريات العامة والخاصة، وإنهاء حالات الاعتقال السياسي من قبل أي جهة كانت سواء بالضفة الغربية أو قطاع غزة.
كما تأتي المهمة الكبرى من أجل تأمين شروط الحياة اللائقة للمواطنين الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة، بعد سنوات من الحصار الظالم وتردي المستوى المعيشي والاقتصادي، والصحي والتعليمي في وقت تراجعت فيه مداخيل المواطنين، وأصبح دخل الفرد الواحد لا يتجاوز سقف عدة دولارات محدودة في اليوم الواحد وفق تقارير الهيئات الدولية، التي أشارت أيضاً إلى أن نسبة الباحثين عن العمل في الداخل الفلسطيني تجاوزت (60%) من اليد العاملة ومن خريجي الجامعات وغيرها. كما أشارت إلى أن نسبة الفقر في الأراضي الفلسطينية عام 1967 جراء الإغلاق والحصار أصبحت أكثر من (70%).
إن تلك الهموم الحياتية اليومية، طالت القوت اليومي للناس، وساهم بذلك قيام سلطات الاحتلال بتجريف الأراضي واقتلاع الأشجار ومحاربة الفلاح الفلسطيني، وفي قيامها بممارسة سلسلة من الحصارات المتواصلة، والمضايقات المستمرة لعمل وكالة الأونروا التي أضحت بدورها تعاني من أزمات متتالية مع الحاجات المتزايدة لمجتمع اللاجئين الفلسطينيين والنقصان الحاد في اعتماداتها المالية.
إن المجتمع الفلسطيني في الداخل، خصوصاً في مناطق قطاع غزة يعاني ويكابد هموماً كبيرة في الجانب الاقتصادي المعيشي اليومي بعد سنوات طويلة من انتفاضتين متتاليتين، وبعد أكثر من جولة عدوانية "إسرائيلية" ضخمة جرت على القطاع خلال السنوات القليلة التي انقضت، حيث تم تدمير جزء كبير من البنى التحتية والإنتاجية.
ان قراءة الأرقام والمعطيات القادمة من فلسطين والصادرة عن عدد من المؤسسات والمراكز البحثية والمعنية، تعطينا صورة واضحة عن حجم المعاناة الكبرى التي يعانيها الفلسطينيون في الداخل بعد تضحيات جسام تم تقديمها في مسار العملية الوطنية الفلسطينية. وعلى سبيل المثال، فقد أشارت بعض التقارير الموثوقة والمدققة والمتأتية عن العمل البحثي والمسوح الإحصائية، إلى أن إجمالي مساحة الأراضي الفلسطينية في عموم الضفة الغربية والتي تم تجريفها خلال السنوات الأخيرة من قبل سلطات الاحتلال، بلغت نحو( 80712) دونماً من الأراضي الزراعية العائدة لمواطنين فلسطينيين، في حين بلغ عدد الأشجار التي تم اقتلاعها في السنوات الأخيرة أيضاً في الضفة الغربية ومناطق القدس نحو (135729) شجرة، إضافة لهدم (784) مخزناً زراعيًّا، وتم إتلاف (1400) خلية نحل، وهدم آبار كاملة بملحقاتها، وإيقاع الضرر بـ (788) مزرعة دواجن وحظائر حيوانات منتجة خصوصاً في منطقة الأغوار على الحدود الأردنية الفلسطينية، وهي المنطقة التي تتمسك بها سلطات الاحتلال في إطار العملية التفاوضية.
عدا عن ذلك، فزحف عمليات التهويد والاستيطان في القدس والضفة الغربية لا يتوقف، وعمليات مصادرة الأرض تتواصل، وحجم إجمالي مساحة المستعمرات يتزايد ويتراكم في الضفة الغربية، وبلغ الآن نحو (539,930) ألف دونم من أراضي الضفة الغربية، في حين صادرت حكومة بنيامين نتنياهو قبل فترة ليست ببعيدة نحو ثمانية آلاف دونم لتوسيع وبناء مستعمرات جديدة. ومن المهم في هذا السياق الإشارة إلى أن ربع مساحة الضفة الغربية والبالغة نحو (5888) كيلومترا مربعا، تم ابتلاعها بشكل عملي لصالح المستعمرات المقامة والتي يقيم فيها نحو نصف مليون مستوطن يهودي، عدا عن مستعمرات منطقة القدس ومحيطها.
وعليه، ومع تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، ينتظر الفلسطينيون نتائج المصالحة الوطنية بفارغ الصبر من أجل تحقيق جملة من الأغراض والأهداف المنشودة على المستوى العام الفلسطيني.
وأول تلك الأغراض والأهداف، من أجل قيام حكومة الوحدة الوطنية بواجباتها المُترتبة عليها من أجل ألغاء حالة الازدواجية القائمة على الأرض، فحكومة الوحدة الوطنية جاءت بفعل التوافق بين القوتين الأكثر حضوراً ووزناً في الساحة الفلسطينية. الأمر الذي عزز الموقف بشكل عام، وأعطى لحضور حركتي حماس وفتح، دفقاً من المشروعية الشعبية الإضافية، والمصداقية السياسية أمام الرأي العام.
وثاني تلك الأغراض والأهداف، من أجل وضع حلولٍ عملية للقضايا المُعقدة التي يواجهها المجتمع الفلسطيني داخل مناطق فلسطين عام 1967 خصوصاً منها القضايا الإقتصادية التي تمس حياة الناس ومعيشتهم بشكلٍ مباشر.
وثالث تلك الأهداف والأغراض، من أجل إنجاز الملف السياسي، حيث ينتظر الفلسطينيون نتائج المصالحة الوطنية لجهة إحداث حالة من التماسك والتوافق السياسي، تسهم في تمتين الموقف الوطني الفلسطيني، وفي صناعة البدائل الوطنية في مواجهة الاحتلال وسياساته وعمليات تهويد الأرض، واقتلاع السكان.
ان الخيارات الأفضل كانت وما زالت بالنسبة لحركتي فتح وحماس، تتمثل في إنجاح خطوة تشكيل حكومة ائتلافية وفق أوسع مشاركة فلسطينية ممكنة، على أساس البرنامج المشترك، للحفاظ على وحدة البيت الفلسطيني، ووحدة أدوات الفعل والتأثير، وإسهاماً مباشراً في تكريس منطق التداول السلمي لمواقع السلطة، وقطع السبل أمام محاولة واشنطن لتأليب العالم والبعض من دول الاتحاد الأوروبي في مواجهة الخيارات الوطنية الفلسطينية، بما فيها خيار إنهاء الإنقسام الداخلي.
إن نجاح تشكيل الحكومة الإئتلافية الفلسطينية الجديدة، يسهم بتعزيز الوضع الداخلي الفلسطيني أمام "عركة" كبيرة قد تكون قادمة مع الاحتلال "الإسرائيلي"، ويوفر الفرص لإنجاح الخطوات الفلسطينية القادمة من أجل إجراء العملية الانتخابية الديمقراطية المنتظرة لانتخاب مجلس تشريعي جديد للقدس والضفة الغربية وقطاع غزة بدلاً من المجلس الحالي الذي انتهت ولايته، كما في انتخاب رئيس جديد للسلطة الوطنية الفلسطينية.
إن نجاح الوزارة الفلسطينية في المدى المرئي يتطلب استكمال باقي عناوين المصالحة الوطنية الفلسطينية التي كانت موضع بحث وتوافق في الحوارات الفلسطينية والوثائق التي صدرت عنها والتي تم التوافق بشأنها خلال الفترة الماضية، والسير قدماً في معالجة قضايا منظمة التحرير الفلسطينية وإعادة بنائها باعتبارها المرجعية العليا للشعب الفلسطيني في الداخل والشتات. فالسلطة الوطنية هي المرجعة للداخل الفلسطيني أما المنظمة فهي المرجعية العليا للداخل والشتات.