[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/suodalharthy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]سعود بن علي الحارثي[/author]
” من يسافر في أرجاء هذا الكون ليغوص بين البشر على خلاف انتماءاتهم العرقية والجغرافية يدردش معهم ويشاركهم تناول الطعام وشرب القهوة والتسوق والتسكع في الأزقة والشوارع والأسواق والمنتزهات يتحدث معهم ويحاورهم ويمتزج في ثقافتهم ويركز على سحناتهم وملامحهم وممارساتهم وتصرفاتهم ومعاملاتهم الدينية والتجارية والاجتماعية وعاداتهم وتقاليدهم ومعيشتهم وآدابهم وعلومهم وما بلغوه من الحداثة والعمران والصناعة ...”
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أولا : في السفر ثقافة واطلاع وتحرر من المسلمات الخاطئة .
تعددت مفاهيم السفر وفوائده وثقافته وتطورت صناعاته، واتسعت خيارات التطواف بين القارات والبلدان والمدن، وتيسرت سبل الانتقال ونشطت حركة الإنسان، واختصرت الطائرات الحديثة المسافات بين الشرق والغرب والجنوب والشمال، ووسائل التواصل تعج بالصور ومقاطع الفيديو وكتابات الهواة والرحالة وعشاق السفر الذين يجوبون الآفاق ويقدمون مادة دسمة ونصوصا وصفية معبرة عن تجاربهم واكتشافاتهم لعشرات المدن والأرياف والمواقع السياحية الخلابة وتعبر عن مشاعر الاعجاب والتعلق بعناصر الطبيعة ومكوناتها وارتشاف نكهات التجوال بين الأسواق والحارات والازقة والمتاحف والقصور القديمة التي تبرز عظمة البشر وانجازات الأمم واسهامات الانسان وطموحاته وابداعاته الفنية والتصميمية والخيالية وقدرته على العطاء وتخليده لهذا الكم الهائل من المعالم الأثرية والوثائق العلمية والرسومات الفنية والأبنية التي تحكي فخامة وثراء وروح الماضي البعيد وتبهر إنسان اليوم وتسيطر على فكره فيتسع محيط أسئلته وملاحظاته عن الوسائل والأدوات التي استخدمت في بناء هذه الصروح والتكلفة الباهظة التي تطلبتها وأخذتها من أعمار البشر ... وشركات الطيران ومكاتب السفر ومؤسسات السياحة في كل بلد تصمم وتروج لنفسها بوسائل وطرق شتى وتنافس بجملة من الامتيازات التسويقية المغرية وتقدم للسائح كل ما يحتاجه ويسعى إليه من أنواع السياحة، الترفيهية والتسويقية والعلاجية والثقافية والاكتشاف وزيارة المواقع والمناطق الجميلة . وتعددت في المقابل مشارب وتوجهات البشر وهواياتهم وتعلقهم بالأسفار، فمنهم من ارتبط بمكان ما في هذا العالم لا يغيره، شكلوا معه ومع المنتمين إليه علاقة ود تعمقت شيئا فشيئا، فندقا، مدينة، بلدا، جزيرة، شاطئا، ريفا من الأرياف، يرتمون في أحضان معشوقتهم الطبيعة على ضفة نهر هادر بمياهه المتفقة النشطة، أو جدول رقراق منساب بين الصخور والحدائق الخضراء، أو شاطئ صاخب بأمواجه الهادرة، الاستمتاع في مكان فسيح لا تحده حدود بقرص الشمس يغيب بين طيات الكون في مغرب الدنيا أو يظهر من مشرقها في صباح اليوم التالي، فيرسمون لوحات تبهر عشاق وهواة الفن، جبال ترتدي سفوحها ثوبا أخضر وتعتمر قممها البياض، طيور تناجي الأحبة في وجد وهيام، قطرات مطر تبلل الأرض بماء الحياة تسقي الزرع والطير والحيوان، مساحات منبسطة تكتسي رداء أخضر تفتح للمشائين على مساراتها الضيقة المزيد من الاكتشافات والمفاجآت والانبهار بهذا التنوع العجيب والتكامل
الآسر بين عناصر الطبيعة، تهب نسمات منعشة تحمل معها روائح زكية تمتزج فيها الأعشاب البرية وأوراق أشجار الغابات البكر وثمار الكرم والتين والتفاح والبرتقال الفواحة من مئات البساتين المنتشرة في الجوار، تنطلق النسمات من مصاب الأنهار وبحيراتها الطبيعية وشلالاتها المتدفقة فتنتعش بها القلوب وتحفز العقول على الانتاج الفني والأدبي، تدبر وتفكر في ملكوت الله، رحلة فكرية وجدانية تمهد للكثير من الأسئلة الدقيقة فتأتي الاجابات عليها هنا سريعا، تعمق الإيمان وتبدد الشكوك وتزيل اللبس ... ومن هؤلاء الرحالة والمكتشفون والمسافرون من يهوى التطواف بين مدن العالم وبلدانه ويسعى إلى تنويع التجارب وتذوق النكهات، فزياراته إلى المكان الواحد لا تتكرر، يشعر بمنتهى السعادة وهو يتنقل بين المطارات والمدن الحديثة والفنادق والمطاعم والمقاهي والأسواق المشهورة ويهبط من طائرة في الشرق ليستقل أخرى متجهة إلى الغرب فتتعمق تجاربه وعلاقاته وتفيض خزانة ذاكرته بالصور والمواقف والمشاهد المتنوعة التي يحكيها للأصدقاء والأقارب والمعارف بمهارة القصاصين الذين يصوغون قصص الملاحم في المقاهي القديمة. من يسافر في أرجاء هذا الكون ليغوص بين البشر على خلاف انتماءاتهم العرقية والجغرافية يدردش معهم ويشاركهم تناول الطعام وشرب القهوة والتسوق والتسكع في الأزقة والشوارع والأسواق والمنتزهات يتحدث معهم ويحاورهم ويمتزج في ثقافتهم ويركز على سحناتهم وملامحهم وممارساتهم وتصرفاتهم ومعاملاتهم الدينية والتجارية والاجتماعية وعاداتهم وتقاليدهم ومعيشتهم وآدابهم وعلومهم وما بلغوه من الحداثة والعمران والصناعة ... يرصد بفكره ويسجل بقلمه ذلك كله فيقدمه في قالب روائي قصصي تصويري، أو لوحة فنية أو لقطة ابداعية من عدسة كاميرته تتفوق على الواقع أو في مقال معبر ومشوق ... تتسع خبراته وتتفتح مداركه وتتعمق علاقاته بالأمكنة والبشر وتنجلي أمامه الكثير من الحقائق وتتفكك العديد من الاشكاليات وتجيب المواقف والصور والخلاصات والمقارنات على أسئلة حساسة ودقيقة، في مجملها قد تحرر الانسان من قيود المسلمات والقناعات المتوارثة والمفروضة من سلطات دينية وسياسية ومجتمعية، أو تعمق في المقابل ثوابت متأصلة تعزز الايمان بها أكثر فأكثر، منافع السفر متعددة وآثاره واسعة، وهي في مجملها تشكل مقياسا لما يكتسبه الإنسان من أسفاره وتطوافه واقاماته خارج وطنه تبرزها حواراته وكتاباته وتعاملاته وثقافته العامة .
إلى أين المقصد هذا العام ؟ سؤال أطرحه على نفسي قبيل موعد السفر المحدد، أتداوله مع خاصة الخاصة من الأصدقاء الذين ألفت السفر معهم وجلت مكتشفا العديد من دول العالم برفقتهم، وكانت القارة الأوروبية الواسعة ببلدانها ومدنها وتاريخها وتنوع طبيعتها وثقافة بشرها ونمط عمارتها الفريد ... هي ما وقع الاختيار عليه، وبين البوسنة البلد الإسلامي بتاريخه العريق ومحنه الانسانية التي مر بها وما يزال يتعافى منها، وإسبانيا التي تحتفظ بأمجاد الإسلام وعراقته كان الانتصار هذه المرة لعاصمة اقليم (بافاريا) ميونخ والانطلاق منها إلى المحيط والتطواف في مناطق مختارة بعناية في النمسا وايطاليا وسويسرا أي الحدود الالمانية النمساوية السويسرية الإيطالية ... فاستسلمت القلة لرأي الأغلبية في انتصار محمود للديمقراطية التي ارتضينا نتائجها جميعا ومارسناها في معظم القرارات المتخذة في سفراتنا السابقة والحالية والقادمة بمشيئة الله . توزعت اقامتنا خلال الفترة المخصصة للرحلة بين ميونخ – سالزبورج – يلامزي – البندقية . ومن هذه المدن ننطلق كل يوم صباحا في برنامج معد لمشاهدة وزيارة والاستمتاع والاطلاع على المواقع السياحية المختلفة والمتنوعة من قصور وبحيرات وجبال الألب وأسواق ومتاحف وغابات وبساتين لا يحيط بها النظر تكتسي بأشجار وثمار التفاح والعنب والبرتقال (يتبع) .

[email protected]