وفي ميزان القتل والعنف والدمار والخراب، يتساوى الإسرائيلي ـ جنديًّا كان أو مستوطنًا ـ المدجج بالسلاح وبآلة القتل والدمار ليقتل به المدنيين الفلسطينيين العزل، مع الإرهابي التكفيري الذي يفجر نفسه أو يوجه ساطور إرهابه أو سلاحه المزود به من قبل مشغِّليه، مستهدفًا المدنيين من الأطفال والنساء وكبار السن أو العسكريين الذين يحملون على عاتقهم مسؤولية حماية هؤلاء المدنيين. فالجريمة الإرهابية البشعة والمروعة التي ارتكبها تنظيم “داعش” الإرهابي بحق المدنيين من أهالي قرية عقارب الصافية بريف حماة في سوريا الجمعة الماضية والتي راح ضحيتها 52 قتيلًا مدنيًّا بينهم أطفال ونساء، وإصابة أكثر من 100 آخرين، علاوة عن الجرائم الإرهابية الأخرى المرتكبة بحق السوريين والعراقيين، وكذلك الجريمة الإرهابية المروعة التي ارتكبتها مجموعة مسلحة في هجومها على قاعدة براك الشاطئ في ليبيا وأودت بحياة أكثر من 60 شخصًا، هي كلها جرائم مرتكبوها مجرمون وقتلة، والجرم والقتل والإرهاب في فلسطين المحتلة لا يختلف عنه في غيرها، وبالتالي لايوجد أي فارق ملموس أو مقنع بين الإرهاب الإسرائيلي والإرهاب “الداعشي” و”جبهة النصرة وجيش الإسلام وأحرار الشام والجيش الحر”والقائمة السوداء للتنظيمات الإرهابية الطارئة أو المنشقة، فهذه القوى المنحرفة امتهنت قتل الوطن وإنسانه هدفًا وغاية لتدميرهما ولتحقيق الهدف الأكبر، وهو تسيُّد كيان الاحتلال الإسرائيلي؛ لذا الإغراق في الحديث عن فوارق وتناقضات بين هؤلاء هو ضرب من الجهل إن أحسنا النيات أو هو دور مخطط موجَّه يراد منه امتصاص زخم الوعي وزرع الموانع والعقبات أمام وحدة الموقف في مواجهة وحدة الإرهاب والتكفير والاستعمار تحت شعارات “الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان والعدالة والمساواة والدولة المدنية”، وإلا فالحقيقة هي كلهم مجرمون إرهابيون وتكفيريون مشغَّلون ومدعومون.
إن أكبر مواطن الخلل في معالجة قضية الإرهاب الدولي، بل الأحرى الأخطر في ذلك هو الاتجاه الواضح نحو المساواة بين العمل الإرهابي المجرَّم، والعمل المقاوم والمشروع ضد المحتلين، وكذلك المساواة بين الإرهاب والمعارضة السلمية المشروعة، فمن خلال الأول عمد المحتلون الإسرائيليون وحلفاؤهم وعملاؤهم إلى تصنيف العمل المقاوم الفلسطيني واللبناني بأنه إرهاب، ومن خلال الثاني عمد معشر المتآمرين على دول المنطقة وتحديدًا الدول العربية المستهدفة بالتآمر إلى توصيف التنظيمات الإرهابية التي استولدوها من رحم تنظيم “القاعدة” الإرهابي، وغذوها بكل ما تحتاجه من أموال مشبوهة وقذرة وسلاح وتدريب، وبكل أشكال الدعم اللوجستي بأنها “معارضة” وأن جرائمها الإرهابية هي “ثورة” من أجل “الحرية والديمقراطية والعدالة”. وهنا لا بد وأن القارئ الكريم قد لحظ مدى الانسجام التام بين الدورين الإسرائيلي وشقيقه المتمثل في التنظيمات الإرهابية الموصوفة زورًا بـ “المعارضة” والحلفاء الاستراتيجيين والداعمين والمشغِّلين، والعمل معًا نحو تحقيق الهدف الأكبر والأوحد وهو تأمين كيان الاحتلال الإسرائيلي وحماية مشروعه الاحتلالي وتعميمه على المنطقة، وبالتالي ما يدور في العراق وسوريا وليبيا ولبنان وغيرها لا ينفصل عن ما يدور من إرهاب دولة ممنهج إسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني، فمدار العمل هو تصفية قضية فلسطين وهو ما يمضي عليه العمل حاليًّا، وما يسقط من ضحايا ويسفك من دماء ما هو إلا أنفاس الولادة؛ ولادة المستعمرة الكبرى في المنطقة والمهيمنة عليها، المسماة “إسرائيل”.
khamisaltobi@yahoo.com