إن إنجاز خطوة على طريق دعم الاقتصاد الوطني يقتضي الاستمرار في إنجاز خطوات عديدة مرتبطة بالخطوة الأولى وعملية بناء اقتصاد ناهض تقوم على مجمل هذه الخطوات مجتمعة، فلا يمكن فصل خطوة عن خطوة أو إبعاد إنجاز عن الآخر ومسيرة التخطيط لإقامة البنى التحتية تعطي مثالًا على هذا التماسك بين خطى التنمية والنهوض الاقتصادي في إطار النهضة الشاملة التي تخوضها السلطنة منذ بزوغ فجر النهضة المباركة بعزم وإرادة لا تلين.
وإذا كنا أمس تحدثنا عن منطقة صحار الحرة كإحدى القلاع الاقتصادية الواعدة والداعمة للاقتصاد الوطني، فإن الحديث يأخذنا اليوم إلى قلعة اقتصادية لا تقل شأنًا وأهمية عن منطقة صحار الحرة، ألا وهي منطقة الدقم الاقتصادية التي كان الحديث عنها ذا شجون تحت قبة مجلس الشورى الذي استضاف أمس خلال جلسته الاعتيادية الحادية والعشرين لدور الانعقاد السنوي الثالث معالي يحيى بن سعيد الجابري رئيس هيئة المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم الذي قدم للمجلس عرضًا مرئيًّا حول منطقة الدقم الاقتصادية، حيث شمل العرض بالصورة والمعلومة كافة الجوانب الاقتصادية والاستثمارية والتجارة الواعدة والتي تعبر عن عقل المخطط العماني الذي أكدنا على دوره في حديثنا أمس.
ومعلوم ما تتميز به السلطنة عامة ومنطقة الدقم خاصة من موقع بحري متميز أتاح لها في الماضي لعب دور حيوي في الملاحة الدولية بمقاييسها القديمة والآن تسير الخطط في طريقها المرسوم نحو استكمال تلك المسيرة التاريخية بمقاييس عصرية تستثمر الموقع المتوسط للسلطنة وسواحلها على خريطة العالم. وتأتي منطقة الدقم الاقتصادية في إطار الخطط التوجهات الاقتصادية الطموحة نحو تنويع مصادر الدخل وتحقيق معدلات نمو صحية ومستدامة للاقتصاد الوطني الكلي، وتنويع الاقتصاد العماني وتقليل الاعتماد على قطاع النفط الخام والغاز، وزيادة مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي، ومواكبة الزيادة المطردة في المخرجات التعليمية بزيادة أعداد فرص العمل لهذه المخرجات من القوى العاملة الوطنية العمانية المدربة والمؤهلة، فضلًا عن التنمية التي ستحظى بها محافظة الوسطى الحاضنة لهذه المنطقة الاقتصادية الواعدة، حيث تزخر هذه المحافظة إلى جانب الموقع الاستراتيجي لمنطقة الدقم الذي يطل على بحر العرب المفتوح وبالقرب من عدد من الممرات الملاحية العالمية، بالخامات المعدنية الطبيعية، وتمتاز كذلك بوفرة إمدادات الطاقة من النفط والغاز، ووفرة المخزون السمكي. بالإضافة إلى ما تضمه المنطقة الاقتصادية من مرافق كمجمع الحوض الجاف وإصلاح السفن، والذي يضع المنطقة على خريطة النقل البحري الإقليمي والعالمي، ويوفر خدمات صيانة وإصلاح السفن بمختلف الأحجام.
وما من شك أن الحوض الجاف سوف يؤدي إلى اجتذاب السفن والناقلات للصيانة في موانئ السلطنة وإلى إقامة عدد كبير من الصناعات المغذية والمنشآت الخدمية المرتبطة بتلك الصناعات مما يتيح إمكانية توفير العديد من فرص العمل ومراكز التدريب لاستيعاب التكنولوجيا الحديثة في مجال تسيير وإصلاح وصيانة السفن الضخمة، فإلى عهد قريب كان هذا النوع من النشاطات قاصرُا على دول كبرى تمتلك بل وتحتكر تلك الإمكانيات القادرة على صيانة السفن والناقلات الكبرى، ومن ثم فنحن نعتبر أن اختراق السلطنة لهذا الميدان المهم هو تطور نوعي خلاق على صعيد تأكيد قدرة هذا الوطن على استثمار إمكانياته الطبيعية والبشرية في مجال المنافسة العالمية واقتطاع نصيب مستحق من كعكة المشروعات العالمية العملاقة خاصة وأن مشروع حوض الدقم مصمم كي يكون واحدًا من أرقى الأحواض الجافة في المنطقة.