وقعت الصين مؤخرا صفقة غاز طبيعي لمدة 30 سنة بقيمة 400 بليون دولار مع روسيا، الأمر الذي يعطي دفعة قوية لشركات الطاقة الروسية المتلهفة لإيجاد أسواق تصدير جديدة. كما أن الصفقة يمكن أن تعطي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دفعة كبيرة مهمة موازية في مواجهته الجارية مع إدارة أوباما وحلفائه الأوروبيين بشأن الأزمة الحالية في أوكرانيا. ببساطة فإن الصفقة يمكن أن توجه ضربة قوية للجهود الغربية المتعثرة لمعاقبة بوتين على تدخله في أوكرانيا وضم شبه جزيرة القرم.
وتقوي الصفقة الجديدة التحالف الاقتصادي الناشئ بين موسكو وبكين والذي يخرج عن حيز سيطرة النفوذ والضغط المالي الغربي. فتلك الصفقة التي توجت سنوات من المفاوضات المتوترة قد تم التوقيع عليها في شنغهاي على هامش المؤتمر الاقتصادي والأمني للآسيان الذي ضم 40 بلدا من بينها إيران وكازاخستان.
وعلى الرغم من أنه سيكون هناك سنوات قبل أن يبدأ الغاز في التدفق إلى الصين، فإن الصفقة تثير الشكوك بشأن كيف ستكون البلدان الغربية قادرة بشكل فعال على استخدام العقوبات كسلاح ضد روسيا بوتين.
تذكر اليزابيث روزينبيرج مسؤولة العقوبات السابقة في وزارة الخزانة الأميركية والتي هي الآن باحثة بارزة في مركز الأمن الأميركي الجديد أن الصفقة هي بمثابة محاولة روسية لتعزيز فرص تجارية خارج أوروبا بما أنها غير محصنة وتخسر أصدقاء فيها.
ربما يكون للعقوبات ـ السلاح محل الاختيار للقادة الغربيين في المعركة على أوكرانيا ـ تأثير ضعيف في الوقت الذي أثبتت فيه روسيا الآن أنها تستطيع إيجاد زبائن أجانب آخرين لأهم مصدر لصادراتها وهو الغاز الطبيعي.
يهدد القادة الأميركيون والأوروبيون بعقوبات واسعة بحق كل أجزاء الاقتصاد الروسي، بما في ذلك قطاعاته المالية والطاقة، إذا تدخلت موسكو في الانتخابات الرئاسية الأوكرانية. غير أن الصفقة الصينية تنزع أنياب تلك التهديدات في السنوات القادمة لأن روسيا سوف تجد الصفقة الصينية تمثل سندا كبيرا لها، حال قرر الغرب ملاحقة قطاع الطاقة الحيوي في البلد. ويقول زخاري جولدمان مسؤول العقوبات السابق في وزارة الخزانة الأميركية والذي يرأس الآن مركزا للقانون والأمن في جامعة نيويورك "لا أعتقد أن ذلك سيشل قدرة الولايات المتحدة وشركائها في فرض عقوبات في الأجل القصير، غير أني أعتقد أنها يمكن أن تؤثر على الثمن النهائي الذي يمكن أن تحققه العقوبات في الأجل المتوسط".
على الرغم من أن أوروبا لا تزال تسهم بنحو 75% من سوق صادرات الغاز الروسي، فإن البلدان النامية يمكن أن تعوض نسبة كبيرة من ذلك بمرور الوقت. ولن ينقص الغاز المتجه إلى الصين من الحصة الموجهة لأوروبا حالا؛ لأن الغاز يتم استخراجه من حقول مختلفة، لكن من خلال زيادة عدد المشترين، يمكن أن تصبح روسيا أقل اعتمادا على السوق الأوروبي.
كما أن الصين أيضا حليف اقتصادي مثالي لبوتين لأن بكين ـ وعلى خلاف أوروبا ـ من غير المحتمل لها أن توافق على فرض عقوبات على موسكو بشأن الأزمة الأوكرانية أو أن تسعى إلى أن تقلص عن عمد وارداتها النفطية من روسيا بسبب عدم الاستقرار هناك. فمن الناحية التاريخية ينفر القادة الصينيون من التدخل في الخلافات السياسية للبلدان الأخرى. يقول نيكولا كونسونري المحلل السياسي المختص بالشؤون الآسيوية "الحكومة في بكين لا تهتم بالظهور ودعم تلك القضية السياسية المتقلبة فيما يتعلق بالوضع الروسي ـ الأوكراني".
حتى الآن جمدت واشنطن أصول 45 شخصا، من بينهم بعض أوثق حلفاء الرئيس الروسي، و19 بنكا وشركة للضغط على بوتين للعدول عن ضم إقليم القرم والتخلي عن تهديداته بغزو شرق أوكرانيا. كما أضافت الخزانة الأميركية مؤخرا 12 اسما آخر لقائمة متعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان، حسب الادعاء.

جميلة تريندل كاتبة
مختصة بشؤون السياسة والاقتصاد في صحيفة وول ستريت جورنال وبي بي اس، خدمة واشنطن بوست ـ بلومبيرج نيوز خاص بـ"الوطن"