[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/ahmedalkadedy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د.أحمد القديدي[/author]
”في غروب شمس الزعيم الراحل كان الصراع العنيف بين كل الطامعين في وراثة تركة الحكم من بارونات الحزب الدستوري كلهم بلا استثناء لكن الجبهة المتقدمة في تلك الحرب داخل قصر قرطاج كانت تتمثل في مواجهة مفتوحة وشرسة وغبية وعريقة بين وسيلة بن عمار زوجة بورقيبة وسعيدة ساسي بنت أخته على خلفية جهوية وطبقية جهولة بين بنت العاصمة البورجوازية وسيلة وخلفها (البلدية أي أبناء الحاضرة !) وبين بنت المنستير مسقط رأس الزعيم وخلفها السواحلية.”
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يقوم رئيس حكومة تونس هذه الأيام بحملة مقاومة الفساد وتم إيقاف عدد من التونسيين في كنف قانون الطوارئ الذي يمدد فيه منذ سنوات. وأنا لا أريد أن أشارك في جدل أحسبه عقيما حول الأسس القانونية والدستورية التي اعتمدتها الحكومة لأن لينا رجال قانون دستوري أقدر مني لمعالجة هذا الجانب ولأنني شخصيا عشت عام 1986 حملة ختم بها الرئيس الراحل بورقيبة عهده وقد بلغ أرذل العمر حين تلاعبت به أياد قذرة سخرت ما بقي من سلطة الزعيم الهرم المريض لتصفية خصومها وفرض سلطانها واحتلال مواقع الحكم والتأثير رافعة شعار مقاومة الفساد وهو شعار خلاب يخدر المواطن فلا يعود عن حسن نية يميز بين مقاومة الفساد وبين تصفية الخصوم تحت شعاره اللامع!. وأقول للأجيال التونسية الشابة التي بالطبع لم تعش مهازل البورقيبية في هزيعها الأخير بأن تلك الأحداث لما لها من تشابه مع واقع اليوم مع بعض الاختلافات تستحق التأمل والاعتبار. في غروب شمس الزعيم الراحل كان الصراع العنيف بين كل الطامعين في وراثة تركة الحكم من بارونات الحزب الدستوري كلهم بلا استثناء لكن الجبهة المتقدمة في تلك الحرب داخل قصر قرطاج كانت تتمثل في مواجهة مفتوحة وشرسة وغبية وعريقة بين وسيلة بن عمار زوجة بورقيبة وسعيدة ساسي بنت أخته على خلفية جهوية وطبقية جهولة بين بنت العاصمة البورجوازية وسيلة وخلفها (البلدية أي أبناء الحاضرة !) وبين بنت المنستير مسقط رأس الزعيم وخلفها السواحلية. عشنا كاريكاتورا مضحكا في تلك الفتنة الصغرى تقليدا للفتنة الكبرى (حاشا الصحابة الأبرار من هذا التشبيه) ونصح أولاد الحلال عميلتهم محدودة المدارك سعيدة بأن تقنع بورقيبة بأن الفساد انتشر في البر والبحر وأن خالها بورقيبة (النظيف اليدين) لا بد أن يشن الحرب على الفساد وانطلت الحيلة على الزعيم الهش الذي لم يعد يميز بين الحق والباطل فأخرجت البطانة مسرحية مضحكة مبكية (جديرة بدانتي الإيطالي مؤلف الكوميديا الالهية) وجلبوا المسكين بورقيبة من فراشه ليمثل دورا حفظوه له (والسيد الباجي قايد السبسي عاش تلك الأحداث ولم يكن مشاركا فيها بل ندد بها أمامي) وظهر الزعيم على شاشة التلفزيون صارخا (قالولي إن مزالي فاسد فلا تترددوا) ناسيا أن الأمر يتعلق برئيس حكومته ومحل ثقته (اليوم وغدا....!كما قال هو قبل شهر أي في جوان 1986 في مؤتمر الحزب !) وبدأ اضطهاد مزالي وأصحابه وسجن أبنائه و بناته وأصهاره..ثم دورت البطانة وجهة الزعيم الى زوجته فطلقها دون حضورها كأنه (سي السيد) ناسيا كل فصول مجلة الأحوال الشخصية التي نسبها لنفسه وافتخر بها لأن تلك المجلة وضعت للبؤساء لا للرؤساء! وبعد ذلك وجهوا مدافع القصف البورقيبي ضد ابنه الوحيد فطرده شر طردة من القصر (طالعوا مذكرات بورقيبة الابن) ثم طرد كذلك سكرتيره الخاص منذ سنة 1930 علالة العويتي وسكرتيره الأول محمود بن حسين منذ 1937 ويوما سأنشر مذكرات هذين الرجلين اللذين أفاداني بمحتويات الصندوق الأسود لذلك العهد الأسطوري. المهم أننا كنا من جملة من راح في داهية باسم مقاومة الفساد ثم تبين في المحاكمات الكيدية التي مسرحوها لنا أن رئيس الحكومة مزالي (متهم) بكيلو قهوة و2 كيلو فستق و فول سوداني وأن منصور السخيري أقام في فندق صحرا بالاس ولم يسدد الفاتورة وأن محمود بن حسين لم يدفع ضريبة عام 1971 وأن وسيلة عينت صهرها توفيق الترجمان رئيسا لبنك وأحد أصدقائها محمد بلحاج رئيسا لتونس الجوية وتم إيقاف الرجلين والقي بهما في غيابات السجن ! وأن البشير بن سلامة له شبه فيزيولوجي بعدو بورقيبة صالح بن يوسف (المغتال سنة 1961) وأن أحمد القديدي قام بإصلاح سيارة قديمة دون استشارة مدير الحزب وأنه سافر الى الخارج بينما كنا جميع مدراء الصحف والاذاعة والتلفزيون نسافر دائما مع مزالي حين يسافر بتعليمات منه! بمن فينا منصف بن مراد المعارض وعبد الوهاب عبد الله الذي انقلب علينا دون سبب! (5 سنوات سجنا للقديدي ومصادرة بيته الوحيد وتشتيت اولاده ونفيه 14 عاما مطلوبا من أنتربول بحكم صدر عن الطيب بن عبيد). أتمنى يوما يكتب فيه عميد قضاة التحقيق الأسبق الذي عالج تلك الملفات حسن بن فلاح مذكراته لأن القاضي الذي حكم في أغلبها الطيب بن عبيد توفاه الله في نومه غفر لهم جميعا. العبرة هي أن نحتاط اليوم ونحذر من أن تخطأ الحملة أهدافها فالفساد منظومات تنتج فاسدين لا فاسدون ينتجون منظومات فأعد النظر يا رئيس الحكومة في مؤسسة الديوانة وطهر دواليب الدولة بالقانون وانفض الغبار على قوانين منتهية الصلاحية في القضاء والتجارة والاعلام حينها توصد أبواب الفساد بجرأة ونجاعة لأننا أصبحنا نصحو وننام على صفحات الفيسبوك تشير عليك بأن فلانا فاسد فاقبض عليه وفلانا صالحا فأحسن إليه وهنا قمة الفوضى تذكرنا بما وقع في فرنسا بعد الحرب العالمية الثانية من وشايات وتصفية حسابات لا قدر الله.