[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/waleedzubidy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]وليد الزبيدي[/author]
حسب ما تشير إليه التوراة من ان الحملة، جاءت بعد ان تمرد عليه الملك (يهو ياقيم) ملك يهوذا (608-597 ق.م) على الرغم من تحذير النبي (ارميا) له، وذلك بعد ان اظهر طاعته وخضوعه الى العاهل الكلداني، وبعد ان حاصر نبوخذ نصر اورشليم توفي ملكها (يهو ياقيم) أثناء الحصار فخلفه ابنه (يهو ياكين) الذي اضطر الى الاستسلام وبعد ان جلبهم الى بابل عين (صدقيا) عم (يهو ياكين) بدلاً منه، بعد ان اعلن ولاءه للملك نبوخذ نصر.
وبعد احدى عشرة سنة انقلب (صدقيا) على نبوخذ نصر، ونكث بالعهد الذي قطعه معه، ودخل في تحالف مع المدن السورية والفلسطينية بتحريض من (حوفرا) ملك مصر، الذي كان يطمح ان تتمكن مصر من اعادة سيطرتها على سوريا، وغضب الملك البابلي من ذلك التحالف، الذي يقصد بالأساس مملكته وكيانها، وقاد حملة جديدة ضد (صدقيا) عام (587 ق.م) وعسكرت قواته في منطقة (ربلة) على نهر العاصي، وبعد ان فرض نبوخذ نصر حصاراً على (اورشليم) وخلال فترة قصيرة، اضطر اليهود ان يرضخوا ويستسلموا فدخلت الجيوش البابلية المدينة في اليوم الرابع من شهر يوليو سنة 586 ق.م، اما (صدقيا) فقد هرب هو وعائلته، الا ان قوات الملك القت القبض عليه واخذ الى بابل ومعه 50 الف نسمة.(ارميا39:1-10).
وقبل ان نسترسل في سرد قصة تاريخ الوجود اليهودي في بابل، لابد من التوقف عند نقطة مهمة، فتذكر التوراة التي هي المصدر الأساسي التي تروي ما حصل لليهود في زمن نبوخذ نصر، ان ما تسميه (بالسبي) الاول قد أفضى الى جلب جميع القادة والمحاربين والحدادين المهرة، ولم يتبق هناك الا القلة من اليهود، ثم نجد وخلال احدى عشرة سنة، يعيد (صدقيا) تكوين الجيش وتسليحه ويصل الى درجة انه يعقد تحالفات مع المصريين لمقاتلة الملك البابلي الكلداني القوي نبوخذ نصر، ولا شك ان إعادة تكوين الجيش وتسليحه ضمن الظروف التي كانت سائدة آنذاك، ليس بالأمر السهل، خاصة اذا ما تذكرنا ان البابليين لم يبقوا على شيء مهم سنة 597 ق.م، ولكن نجد ان المعركة الثانية تفضي الى جلب 50 الفاً من اليهود ومعهم العائلة المالكة، وهذا الأمر يحتاج الى دراسة أوسع وبالاعتماد على الوثائق المستخلصة من الاكتشافات الاثارية، ورسم الصورة الحقيقية عما حصل خلال تلك السنوات الإحدى عشرة وفي الحقبة التي حكم فيها نبوخذ نصر.
عامل نبوخذ نصر اليهود في بابل احسن معاملة مع اغداق السخاء والكرم عليهم، بغية الاستفادة من وجودهم في اعمار بلده، الذي كان يحرص على تقدم العمران فيه وسمح لهم ان يقيموا في وسط المجتمع البابلي بعد ان اقطعهم احسن الأراضي الزراعية، كما سمح لهم ان يكونوا لهم مجتمعاً موحداً مستقلاً في ادارة شؤونه الاجتماعية والدينية، ويذكر Graetz في كتابه (History of the Jews) ان نبوخذ نصر، سمح للعائلة المالكة ان يعيشوا احراراً مجتمعين في مكان واحد هم وخدمهم وعبيدهم يمارسون ادارة الاعمال وفق عاداتهم وتقاليدهم من غير أي تدخل في شؤونهم.
ويؤكد ذلك الكاتب اليهودي (ابراهام بن يعقوب) اذ يذكر: ان الوضع الاقتصادي والسياسي والروحاني ليهود بابل كان جيداً في ذلك الوقت، فقد تمتعوا بكل حقوق المواطنة، فعملوا في الزراعة والتجارة والصناعة، وكان عدد منهم اصحاب ثروات واصحاب حقول وبساتين واصحاب املاك وتجاراً وجباة وما شابه ذلك.