يحتفل الشعب المصري اليوم بتنصيب المشير عبدالفتاح السيسي رئيسًا لجمهورية مصر العربية، مُتوِّجًا بذلك إرادته التي عبر عنها عبر الانتخابات الديمقراطية الحرة والشفافة بشهادة المراقبين والتي حرص على إنجاحها، واضعًا ثقته في المشير السيسي ليكون رجل المرحلة ويحقق لمصر والمصريين تطلعاتهم وآمالهم التي عقدوها على شخصه.
ويأتي حفل التنصيب هذا بعد حقبة اتسمت بالكثير من الأوضاع السلبية على الصعد السياسية والاجتماعية والاقتصادية، سواء كانت قبل ثورة الخامس والعشرين من يناير أو ما ما بعدها وما أفرزته من نتائج وتوابع، حيث لم يجد الشعب المصري ما كان يصبو إليه من تطلعات وآمال لا سيما ذلك المواطن المصري البسيط الذي يكدح موصلًا نهاره بليله ليجد قوت يومه، حيث الوضع المعيشي لازمته حالة تراجع مخيف وصل المستوى المعيشي إلى دون خط الفقر، فأصبحت أصوات معاوله تتردد في كل بيت مواطن مصري بسيط، وغدا النشاط التجاري والاقتصادي بشكل عام ضعيفًا.
ولذلك فإن الشعب المصري حين خرج إلى الميادين ليرفع صوته عاليًا مُطالبًا بالتغيير، ليس من باب الترف والبذخ وبحبوحة العيش وملء وقت الفراغ، وإنما ليستنهض الطاقات والهمم الغيورة على مصر والمصريين، باحثًا عن من ينتشله من الوضع الذي هو فيه، كما أنه وهو يرنو إلى ذلك، لم يتخلَّ ولو لحظة عن عشقه وهيامه لأمه مصر متباهيًا ومتبخترًا رغم الظرف الاقتصادي والمعيشي الذي يطارده كشبح في الليل والنهار.
وكما هو معروف عن الشعب المصري أنه شعب يعشق بقوة كما يكره بعنف، فإن عشقه وحبه لمن ينتخبه والتعبير عن هذا الحب والعشق بخفة ظله من خلال الصور المعبرة أو بالابتسامة والنكتة الظريفة أو حتى التعصب لمن ائتمنه صوته، هو إحدى السمات التي يتميز بها. وما الاحتفالات التي تغمر مصر اليوم من أقصاها إلى أقصاها من كافة الأحزاب والفعاليات الشعبية والمسيرات المليونية إلا دليل على قوة العاطفة والعشق لمصر أولًا ولمن يرى أنه سيعطي لمصر وشعبها.
وما من شك أن المصريين بهذه الاحتفالات يريدون أن يرسلوا رسالة واضحة أن ساعة العمل حانت ولحظة الجد دنت ليقول الشعب المصري كلمته بكل حرية وليخلع عن أُم الدنيا عباءة الظلم والقهر والاستبداد والحرمان والفساد، وتحكُّم سلطة المال في مصير الشعب المصري وتضييقها على حياته، ومحاربته في لقمة عيشه وإيصال السواد الأعظم منه إلى ما دون خطر الفقر، فضلًا عن الجريمة التاريخية بحق مصر بتغييب دورها الحضاري والتاريخي والمؤثر بحكم موقعها الريادي كدولة وشقيقة كبرى تمثل الحضن الكبير وقائدة للعمل العربي المشترك والمدافع الأول عن الحقوق العربية.
إن الانتخابات الرئاسية المصرية وما سادها من شفافية ونزاهة ـ بشهادة المراقبين ـ وما أسفرت عنه بفوز المشير عبدالفتاح السيسي، وكذلك ما سبقها من ثورات مطالبة بالتغيير هو شأن داخلي مصري لا يحق لأحد التدخل فيه، طالما أن مصدر السلطة هو الشعب، فمصر لا تزال تعاني كما تعاني شقيقاتها من ويلات التدخلات الخارجية في شأنها الداخلي، ما أثر عليها كدولة عربية كبرى مؤثرة في القرار العربي والدولي، وبيضة القبان في المنطقة، وقد اتضحت حقيقة هدف التدخلات وهي محاولة سلب الإرادة المصرية وسلب القرار المصري وضرب الاستقرار المصري كما هو حاصل الآن في سوريا والعراق وليبيا وتونس واليمن وغيرها. أن ذلك يعني أن الرئيس الجديد والمنتخب ديمقراطيًّا أمامه تحديات صعبة تتعالى كالجبال، ولعل أول التحديات هو بسط مظلة الأمن والاستقرار، وتحسين الوضع المعيشي، وتحريك عجلة الاقتصاد المصري وتوفير فرص عمل، فضلًا عن الشأن السياسي الداخلي والمواءمة والمصالحة بين مكونات الشعب المصري وأحزابه السياسية وبناء دولة مؤسسات تقوم على الشراكة الحقيقية بين كافة المكونات الممثلة بالأحزاب والطوائف، إلى جانب العلاقات الدولية التي تربط مصر بدول العالم، فهذه التحديات من الممكن أن يُذيبها الشعب المصري ويتغلب عليها وينجح في وضع قدمه الأخرى، بعد أن نجح في وضع قدمه الأولى بإجراء انتخابات رئاسية نزيهة، وبريئة من التزوير والفساد، فهم في النهاية في مركب واحد وليسوا في مراكب متعددة.
إن مشاركة الدول العربية شقيقتها الكبرى في حفل تنصيب رئيسها المنتخب هو تعبير عن مدى المكانة الكبيرة التي تحظى بها أُم الدنيا، حيث وبتكليف من حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ يحضر صاحب السمو السيد أسعد بن طارق آل سعيد ممثل جلالة السلطان مراسم حفل تنصيب فخامة الرئيس المشير عبدالفتاح السيسي، تأكيدًا على مشاركة السلطنة الأشقاء المصريين في عرسهم الرئاسي البهيج، وتأكيدًا على مدى الروابط التاريخية والأخوة والمحبة التي تربط الشعبين العماني والمصري.