[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]
يبدو أن الولايات المتحدة مستعجلة في إنجاز الملفات الكبرى في المنطقة انطلاقًا من سوريا والعراق تحديدًا، بعد النقلة النوعية لسورية وحلفائها في محاربة الإرهاب الكوني الموجَّه لإسقاط الدولة السورية وتفتيتها، ونجاحها اللافت في إحباط مسارات مخطط التدمير والسيطرة على المناطق الاستراتيجية أو تلك التي توصف بأنها مناطق رخوة؛ إما بحكم قربها من الحدود المعادية للدولة السورية أو بحكم وجود بعض المكونات المجتمعية وقبولها بيع ذممها وولائها مقابل وريقات خضراء مشبوهة، والتخندق في خنادق المتآمرين.
هذا الاستعجال بدا يأخذ طابعًا وحشيًّا وقاسيًا من أجل محاولة تأخير أو شل حركة الجيش العربي السوري وحلفائه في المناطق التي ينظر إليها عقل المتآمرين على أنها مناطق استراتيجية، من شأنها أن تشل تاليًا الدولة السورية بأكملها، فتصبح محاصرة ومطوقة من جميع الاتجاهات، ما يسهل فيما بعد إدارة الإرهاب داخلها وصولًا إلى الخلخلة القائدة إلى التقسيم التلقائي، لا سيما وأن تراجع الثقل الديموغرافي بات عاملًا مساعدًا بعد الحملات القسرية والوحشية الممنهجة لتهجير السكان والتخلص منهم، لما يمثلونه من عامل قوي ومؤثر في كفة الحكومة السورية ومواقفها، بحكم ولائهم لوطنهم وقيادته، وقد بان ذلك بصورة واضحة خلال الانتخابات وتحديهم كل محاولات التهديد من أجل الوصول إلى صناديق الاقتراع لاختيار الرئيس بشار الأسد.
وتعد الغارات التي يشنها "التحالف الستيني" بقيادة الولايات المتحدة في المناطق التي تستعجل السيطرة عليها وسلخها من الوطن السوري الأم، دليلًا واضحًا على حجم الاستعجال، وذلك بعدم التمييز بين المدنيين السوريين ومن تصفهم واشنطن وتابعاتها إعلاميًّا بالإرهابيين من عناصر تنظيم "داعش" الإرهابي، وقد بدا هذا الاستعجال على أشده حين استخدمت الولايات المتحدة سلاح الفوسفور الحارق في مدينة الرقة، ما أوقع المدنيين من أهالي المدينة قتلى ومصابين، وهو سلاح محرم دوليًّا.
وفي مشهد استخدام هذا السلاح المحرم دوليًّا ضد المدينة بمن فيها من مدنيين وعناصر إرهابية من تنظيم "داعش"، يتكرر سيناريو مدينة الفلوجة العراقية التي تعرضت لإبادة جماعية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، حين استخدمته الولايات المتحدة ضدها بعد قيام مقاومين من المدينة بقتل عدد من المارينز والتمثيل بهم، فالذاكرة لا تزال حية بها تلك المشاهد المؤلمة لجثث المدنيين والمقاومين متفحمة في الأحياء والأزقة والطرق وفي أسطح المنازل وداخلها، وكيف أخذت الكلاب تنهش الجثث المبعثرة في الطرق. وقياسًا على المعادلة ذاتها، ولعل واقعة شق صدر الجندي السوري من قبل أحد الإرهابيين وأكل قلبه وكبده واحدة من أفظع الصور التي كانت تستوجب أن تفعل سوريا ما فعلته وتفعله الولايات المتحدة في العراق وسوريا؟ لكنها أخلاقيات الجندي السوري، واحترام الدولة السورية للقانون الدولي هما اللذان يحولان دون ذلك، فضلًا عن عدم امتلاك سوريا سلاحًا محرمًا دوليًّا بعد تسليمها ترسانتها الكيماوية.
الولايات المتحدة شنت عدوانًا سافرًا على سوريا مستهدفة قاعدة الشعيرات بتسعة وخمسين صاروخ كروز، موقعة مدنيين سوريين قتلى ومصابين، على خلفية الكذبة التي تم فبركتها من قبل العصابات الإرهابية المدعومة من معشر المتآمرين، بأن الجيش العربي السوري استخدم سلاحًا كيماويًّا ضد المدنيين في إدلب، ثبت أنها مسرحية قامت بها عصابة ما يسمى "القبعات البيضاء"، وبشهادة أطباء رفضوا بيع ضمائرهم، وحين طالبت موسكو ودمشق بتشكيل لجنة تقصي حقائق تم عرقلةهذه المطالب، وبالتالي إذا كانت الولايات المتحدة أعطت لنفسها الحق في الإقدام على ارتكاب عدوان سافر على الدولة السورية على خلفية كذبة واشنطن تعلم بحقيقتها، ومستبقة أي تحقيق دولي في هذا الصدد، أليس من حق سوريا وحلفائها أن يعطوا أنفسهم الحق ويلجأوا إلى الأسلوب الأميركي ذاته؟ لكنها الأخلاقيات واحترام القانون الدولي الذي به يجب أن يحاسب كل معتدٍ.
على أن استهداف الولايات المتحدة المدنيين بهذه الوحشية باستخدام سلاح محرم دوليًّا، إنما تريد به تسريع السيطرة على محافظة الرقة، وإجبار عناصر تنظيم "داعش" الإرهابي على الخروج بأقصى سرعة بعد فضيحة التفاهم الحاصل بين واشنطن و"قوات سوريا الأميركية" الانفصالية بتسليم مدينة الرقة وفتح المخرج الجنوبي لهم للتحرك نحو تدمر ودير الزور لمواجهة الجيش العربي السوري وحلفائه، وتعطيل تقدمهم ومحاولة تكبيدهم خسائر، وهو ما سيعطي أريحية للولايات المتحدة وحلفائها بالسيطرة على المناطق السورية الحدودية مع الأردن والعراق، حيث مقتضيات المخطط أن تتم السيطرة على هذه المناطق بما يمكِّن من فصل سوريا وعزلها عن العراق وإيران كخطوة أولى، ثم عزل سوريا عن لبنان، أي تقطيع أواصر محور المقاومة. ولعل الانزعاج الذي عبَّر عنه كيان الاحتلال الإسرائيلي أمس الأول بعد وصول الجيش العربي السوري وحلفائه إلى الحدود السورية العراقية، والاقتراب من معبر التنف حيث يخطط معشر المتحالفين ضد سوريا على إقامة قاعدة عسكرية هناك موجهة ليس ضد سوريا وحدها، وإنما ضد محور المقاومة بأكمله، يكشف هذا الانزعاج حقيقة المخطط والاستثمار في الإرهاب وتوجيهه ضد سوريا وشعبها وقيادتها.
في مقابل هذا المسعى الأميركي إلى السيطرة على الحدود السورية ـ العراقية ـ الأردنية، يأتي تحرك الأكراد في العراق نحو إجراء استفتاء الانفصال ليلاقي التحرك الأميركي العاجل في شمال سوريا، تمهيدًا لإعلان قيام دولة كردستان الكبرى الممتدة من العراق ثم تركيا حتى سوريا. وليس خافيًا أن تقطيع أواصر محور المقاومة على النحو الذي ذكرناه، وإقامة الدولة الكردية هما ملفان من الملفات الكبرى التي يمضي التحضير لإنجازها في فلسطين المحتلة ومحيطها.

[email protected]