لا تزال البلاغات ترد بكثافة إلى المعنيين بسلامة الغذاء والمستهلك في هذا البلد، بلاغات تندّد باستفحال الغشّ فيما نشتري بأموالنا لتصبح سبب هلاكنا. إنّه الغشّ في المواد الاستهلاكيّة، تقوم به أطراف تفتقر إلى أدنى حدّ من الضّمير والوجدان والغيرة على الوطن والمواطن. المقصود هنا أشخاص غاطسة في سبات عميق تحسب ما تقوم به من شر خيرا، إلى أن يفضح الله أمرها في الدنيا قبل الآخرة. إذ كما يقول المثل: "الأيام كلّها للسّارق إلاّ يوم واحد فهو للمالك". بالأمس القريب كشفت الجهات المعنية بأمر المستهلك غشّا مقصودا بعينه، قام به أناس لجمع حفنة من المال فباعوا ضمائرهم وأصابوا المستهلكين بالأذى. قدموا إلى العدالة وحوكموا. لكن هل كان الجزاء من جنس العمل؟
ليس هذا السّؤال عبثيا وإنّما هو جدير بالطّرح، لا لأنّ الأمر يتعلّق بفئة اعتبرها الشارع العماني ضالة وخارجة عن القيم واحترام حقوق الإنسان، وإنّما لكونه ذا صلة بصحتنا وصحة أبنائنا والمجتمع برمّته من المواطنين والمقيمين. وقد سبق أن حدثت ضجة إعلامية هائلة من جميع القنوات التواصلية والجديدة منها على وجه الخصوص، إلا أنّ دروس العبر لم يستخلص من الوضع، بل أكثر من ذلك ظهر جرم شائن آخر في وقت نطالب جميعا بتشديد العقوبات ضد هؤلاء المعتدين على سلامتنا جميعا كمستهلكين، وخاصّة بعد أن اكتشف حديثا أنّ أطنان من الغذاء ليست صالحة للاستعمال الآدميّ تروّج في أسواقنا في ضوء النّهار وظلام الليل.
إن كنا منصفين حقّا لوطننا وتهمّنا المصلحة العامة لماذا لا نكشف النقاب عن حقيقة ما حصل؟ ألسنا لحمة واحدة ضد من تسوس له نزع سلامتنا خصوصا إذا تعلق الأمر بالغذاء والدواء؟ لم التسويف في التنديد بهذا السلوك المشين، بعد أن رصدت مؤسسة مختصّة مئات القضايا ممّا تستحقّ النظر العاجل والعقاب عليه ونزع فتيل الغش في الطعام وردع الضمائر الهاجعة في مخادعها؟
إنّ الجهود المبذولة من قبل المؤسسات المختلفة في البلاد سواء هيئة حماية المستهلك أو البلديات آو الجهات المعنية بأمر الصحة يجب أن ندعمها ونرسخ ثوابتها ونهيئ لها أرضية خصبة تستمد منها شرعيتها وقوتها ونمنحها صلاحيات تمكنها من أداء مهامها على أكمل وجه لتصبح قوة أمنية تحمي المستهلك وتضرب بسياط من حديد كلّ من يتجرأ في نشر سموم الطعام والكسب على حساب سلامتنا وصحتنا في هذا المجتمع المتماسك، حتّى نبقى على يقين تام بأن الإنسان وجد في هذه البسيطة ليعيش ويهنأ ويسعد بالحياة لا ليعيق الآخرين ويمنعهم من العيش بسلام أو كما يقول المثل: " ولد الإنسان ليعيش لا ليمنع الآخرين من العيش".
على كل، ينبغي أن ندرك تماما انه حين تكثر الشكاوى في مضمار المستهلكين ويزداد الغش استفحالا وتكتشف جرائم اكبر هلاكا وخسرانا يجب أن نعي تماما أن اللعبة لم تنته بعد وانه لا زال في السيناريوهات فصول لم تنقض آجالها وعلينا أن ننفض غبار الوهن وان نستيقظ بقوة رادعة تمكننا من السيطرة على الواقع المؤلم الذي لن يتعلم منه الآخرون ونبرهن على ذلك ما يكتشف من آثام بحق المستهلكين من هنا يجب أن نأخذ بعين الاعتبار ظهور جزاء آخر أشدّ قساوة على الذين يكيدون بنا نهارا جهارا دون خوف من ناب أو ظفر. إذ الجزاء السابق ليس من جنس العمل. وما دمنا نفكر في توحيد الجهود الرامية إلى حماية المستهلك فعليا، فعلينا أن نفكر في جزاءات رادعة تصبح أشد صرامة ونكالا فلنعي انه عندما يترهل القانون يتمكن الطغيان فلنظهر الجزاء المخيف حتى لا نصبح لقمة سائغة وفريسة سهلة للطغاة في هذا المضمار.

خلفان بن محمد المبسلي
[email protected]