[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]
يبدو أن الانتخابات السورية كانت من الإنجاز وقوة التأثير على العدو والخصم بمكان، ما جعلها كفيلة بتحريك الدوائر السياسية ومراكز صنع القرار في كل من الولايات المتحدة وأوروبا لتبرهن على الحقيقة الثابتة بأنها ليست سوى أماكن يرتادها مصاصو الدماء وتجار الحروب وحقوق الإنسان، لإقامة المزادات لتنظيم حفلات دم مجنونة في سوريا ودول المنطقة ومختلف بقاع العالم.
لقد تمكنت الانتخابات السورية، بل تمكن الشعب السوري من قذف أحجاره في أقدار مواخير السياسة الأميركية والأوروبية وعملائها ليفيض خارجها ما ركد من القذارة والوسخ والحقد والكراهية والغيظ، وحجم الابتذال والكلمات المستهلكة عمومًا في أسواق الغرب الامبريالي الاستعماري، وذلك حين حرص الشعب السوري على الخروج جماعات ووحدانًا ليعبر عن إرادته وحريته، ويضع في صندوق الاقتراع ورقة من استقر عليه عقله وفكره، متحديًا كل أشكال الترهيب والإرهاب التي مورست لمنعه، واضعًا حدًّا لسخافات الأحاديث الديمقراطية الغربية التي حاول التلطي وراءها.
وكان أول قدر يرميه الشعب السوري بحجر هو قدر الولايات المتحدة ليكتشف الجميع ليس السوريون وحدهم، وإنما كل منصف وغيور حجم الحثالة الراكدة في قدر الدولة العظمى والذي حاول رئيسها وأركان إدارتها طوال المؤامرة على سوريا عدم إخراج رواكد الحثالة مرة واحدة، والاستمرار في لعبة التخفي خلف قناع الإنسانيات والوجدانيات الزائفة والادعاءات الكاذبة بدعم الشعب السوري لتحقيق تطلعاته.
فالكلمة التي ألقاها الرئيس باراك أوباما في حفل بالأكاديمية العسكرية "ويست بوينت" مؤخرًا أفصحت عن حقيقة ادعائه الحرص على دعم الشعب السوري بأن هذا الدعم عبارة عن محاولة واضحة لتبرير تغذية الإرهاب بالأسلحة الفتاكة وغير الفتاكة وبالأموال، وإضفاء الشرعية على هذا الخرق للقانون الدولي وللقوانين الأميركية الخاصة بمكافحة الإرهاب، والهدف من ذلك معروف وهو إطالة أمد المؤامرة وتدمير الدولة السورية وتشريد شعبها منها، في تدخل سافر في الشأن الداخلي السوري، يتنافى مع ما ادعاه من أنه لا حل للأزمة في سوريا سوى الحل السياسي، ويتعارض مع ما أعلنه عن تخلي الولايات المتحدة عن سياسة الحروب العسكرية.
إن هذا الخطاب "الأوبامي" يذكرنا بالخطاب الذي ألقاه سلفه جورج بوش "الصغير" مستفيدًا من حالة الإرباك التي خلقتها هجمات الحادي عشر من سبتمبر لتهيئة الولايات المتحدة عن خططها نحو شن ما أسماه "الحرب الاستباقية الوقائية"، وبالفعل تمكن آنذاك من حشد التأييد، مستغلًا التعاطف الدولي جراء هجمات سبتمبر ليشن بذلك حربين ضد كل من أفغانستان والعراق وهما من أقذر الحروب التي شنتها الولايات المتحدة في تاريخها.
ونظرًا للنتائج الكارثية التي خلفتها هاتان الحربان على الاقتصاد الأميركي، جاءت الاستعاضة عن شن الحروب العسكرية المباشرة بشن حرب التدخلات في الشأن الداخلي، بتأجيج طرف ضد طرف، أو جماعة ضد جماعة، أو قارة ضد دولة (كما هو جارٍ حاليًّا حيث تقوم الولايات المتحدة بتحريض أوروبا "بيبي أميركا" ضد روسيا فيما يخص الوضع في أوكرانيا، وتصدير القارة العجوز في المواجهة مع روسيا)، أو دولة ضد دولة (أريتريا وأثيوبيا، السودان وجنوب السودان، الصين واليابان، الصين وتايوان، على سبيل المثال لا الحصر)، أو دول ضد دولة (دول عربية وإقليمية ضد سوريا وإيران) بحيث تتكفل الولايات المتحدة بقيادة دفة حرب التدخل من الخلف من خلال تقديم السلاح المطلوب والمال إن استدعى الأمر ذلك، والتحريض والتأليب واستخدام النفوذ الدبلوماسي والسياسي في المنظمات الدولية.
إذًا، الكلمة التي ألقاها أوباما هي كانت بمثابة تحديد الخطوط العريضة للسياسة الأميركية الحالية والقادمة، إذ ليس بمقدور الولايات المتحدة خوض حروب عسكرية مباشرة جديدة، وبالتالي ستكتفي بحرب التدخلات في الشأن الداخلي للدول، والواضح أن هذه الخطوط تلتقي مع الخطوط التي رسمها "المفضوح" والمستقيل ديفيد بترايوس رئيس الاستخبارات الأميركية "سي آي إيه" والتي يجب أن تمضي وفقها السياسة الأميركية الجديدة وهي الاعتماد على استخدام الطائرات بدون طيار وإقامة قواعد أو استئجار قواعد في دول من العالم (كما هو الحال مع دول الخليج العربي، وبعض الدول العربية كجيبوتي التي جددت مؤخرًا عقد تأجير قاعدتها للولايات المتحدة، وغيرها من الدول)، وكذلك الاعتماد على عملاء الاستخبارات الأميركية في عملية التدخل وإثارة الأزمات والفوضى والقيام بالتحريض والتأليب.
ولذلك ليس مثيرًا للدهشة كما أنه ليس مفاجئًا اعتراف سوزان رايس مستشارة الأمن القومي للرئيس الأميركي باراك أوباما في تصريح لشبكة "سي أن أن" الأميركية بأن بلادها تقدم أسلحة فتاكة وغير فتاكة للعصابات الإرهابية في سوريا، مؤكدة أن واشنطن كثفت دعمها لمن وصفتهم بـ"المعارضة المعتدلة" بأسلحة فتاكة وغير فتاكة، بالإضافة إلى التدريب المستمر لمجاميع العصابات الإرهابية في الأردن وتركيا وغيرهما تحت كذبة دعم "المعارضة المعتدلة".
والاستفهام الذي يفرض ذاته هنا هو: هل في ممارسة الإرهاب هناك طرف معتدل وغير معتدل؟ أليس المعتدل يقتل كما يقتل غير المعتدل؟ وإذا كانا الاثنان يقتلان وجاءا وتدربا على السلاح وكيفية القتل ويستحضران نية القتل عن عمد وإصرار وترصد، أليسا شريكين في الإرهاب؟ أوليست الكثافة التي سجلتها الانتخابات السورية دليلًا على رفض الشعب السوري للإرهاب، وردًّا سياسيًّا قويًّا؟
في يقيني أن سوريا بشعبها وجيشها وقيادتها أمام لحظة تاريخية تصنع فيها نصرًا مؤزرًا على الإرهاب وداعميه لتكتب النصر التاريخي الأكبر بضرب خيوط التوجه السياسي الأميركي القائم على دعم الإرهاب والمؤامرات وتغذية التدخلات.