[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/suodalharthy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]سعود بن علي الحارثي[/author]
تتميز انسبروك كحال معظم المدن النمساوية بالنظافة والأمن وحفظ النظام والتعامل الحسن مع السائح وانعدام كل أشكال الضوضاء، وتأتي حقوق الإنسان في أعلى درجات السلم، من المشاهدات الجميلة التي شدتنا وأعجبنا بها وتركت انطباعات جميلة وذكريات لا تنسى وتناقشنا كثيرا حول مفاهيمها وما تمثله من مثل راقية وقيم إنسانية سامية ولم يفتنا أن نقرنها بأمثلة وقصص مغايرة تحدث في مجتمعاتنا العربية – الإسلامية أشعرتنا بالأسف..

خامسا: انسبروك .
لم تكن انسبروك أقل جمالا وثراء فنيا وجذبا للسياح من سالزبورج، بل إن السياحة تعد واحدة من أهم مصادر ازدهارها، هي مدينة دمجت عبق الماضي بحداثة الحاضر وعصرنته واشتغل أهلها بمستقبل يضيف الكثير من الانجازات إلى ما تشهده النمسا من نمو اقتصادي ونشاط تجاري وسياحي وحركة عمرانية مدروسة تمزج بين حضارة تاريخية مزدهرة، ومتطلبات عصر حضاري مشرق تعيشه أوروبا ونظام يحترمه الصغير قبل الكبير وتعليم متطور يستوعب أكثر من ٣٠ ألف طالب وطالبة في جامعاتها من خارجها، وهو ما يلاحظه الزائر في كل ملمح من ملامح هذه المدينة التي ربطتني بها علاقة ود من نوع آخر لم آلفه وأشعر به بهذا العمق والمستوى من قبل مع كل المدن والعواصم التي زرتها، لقد عشقت جمالها الفتان وفرادة عمارتها وطبيعتها الساحرة وتنوع مفردات حسنها وبهائها التي اتسمت بالتكامل والتناسق في ألوان وأشكال المباني والانسجام بين القديم والحديث، إنها في حقيقة الأمر أشبه بلوحة فنية بديعة لا يمل البصر من تأمل ملاحتها وسحرها الأخاذ، درجة أنني ما وددت أن أفارقها لولا أن الاشتياق إلى الوطن تغلب على حالة الانجذاب التي تولدت لحظة التجوال بين عشرات المقاهي القديمة والحديثة التي تفوح منها رائحة القهوة والكيك والفطائر الساخنة وعشرات الأنواع والأشكال من الآيس كريم وعصائر البرتقال الطازجة، والمطاعم العصرية والعلامات العالمية والمحلات التجارية والأكشاك التي تبيع التحف وتذكارات انسبروك والتي افترشت الباحات والساحات والأزقة الملتوية والمتداخلة المرصوفة بالحصى الأنيق، ومشاهدة معالمها المهيبة ومبانيها القديمة التي تحكي قصة ماض عريق وازدهار اقتصادي عاشته عبر قرون من الزمن، يرويها نهر (الإنْ)، أحد أفرع الدانوب بالحياة فتستعيد بمياهه النقية النشاط والطاقة والبهاء والأناقة، ومنه اشتق اسمها الذي يعني (جسر الإن) باللغة الالمانية، وتحيط بها الجبال الخضراء التي تكسو قممها الثلوج فتزداد اشراقا ونورا مع أشعة الشمس والسحب اللاهثة بين السماء والأرض المعانقة لها في مشهد معبر عن الجمال والإبداع الإلهي . تأسست انسبروك في القرن الرابع الميلادي كمحطة عسكرية للرومان وأنشأوا أول أحيائها (فيلديدينا) . وفي عام 1420 جعل (فريدريخ الرابع إنسبروك عاصمة حكمه، وبذلك استمر تطور المدينة، وفي عام 1500 أنشئ في المدينة بيت للسلاح ليكون من أكبر مخازن السلاح المعروفة آنذاك في أوروبا بناءً على أمر القيصر ماكسيمليان الأول إمبراطور الرومانية المقدسة، وبإنشاء مدرسة لليسوعيين عام 1562 بدأت إنسبروك في التطور إلى مدينة علوم حاضنة للمؤسسات العلمية إضافة لكونها تقع على محور التجارة عبر الألب)، من أهم معالمها التاريخية (السطح الذهبي) الذي يقع في الحي القديم والذي تم انشاؤه بأمر من الامبراطور ماكسميليان الاول، ويحتوي على شرفة خشبية مزينة بحوالي ٢٦٥٧ قطعة من النحاس المذهب، المبنى حول إلى متحف وموقع جذب سياحي وخصص قسم منه كمحلات تجارية في صورة تعبر عن النجاح في استثمار وتوظيف الموارد والمقومات لتنشيط الحياة الاقتصادية . أما بوابة النصر فقد بنيت احتفاء بزواج أحد أبناء القيصرة (ماريا تيريزا) في عام ١٧٦٥ ، أهم الكنائس في انسبروك كنيسة القديس يعقوب .
تتميز انسبروك كحال معظم المدن النمساوية بالنظافة والأمن وحفظ النظام والتعامل الحسن مع السائح وانعدام كل أشكال الضوضاء، وتأتي حقوق الإنسان في أعلى درجات السلم، من المشاهدات الجميلة التي شدتنا وأعجبنا بها وتركت انطباعات جميلة وذكريات لا تنسى وتناقشنا كثيرا حول مفاهيمها وما تمثله من مثل راقية وقيم إنسانية سامية ولم يفتنا أن نقرنها بأمثلة وقصص مغايرة تحدث في مجتمعاتنا العربية – الاسلامية أشعرتنا بالأسف، منها على سبيل المثال لا الحصر، أولا : الرسالة البليغة التي كتبت في جميع أوعية القمامة الصغيرة في الشوارع (قاذورتك أنت، ثروة لآخرين) . ثانيا : في الرصيف الذي كنا نقف عليه اصطدم بنا عابر سبيل اعمى كشف لنا ذلك الاصطدام بأننا كنا نقف في طريق مخصص لذوي الاحتياجات الخاصة وضعت عليه علامات وخطوط تساعدهم على تلمس طريقهم والوصول إلى مقصدهم بسلام، وقد اعتدينا بجهل منا على حقهم . ثالثا : في موقع آخر من الساحة القديمة نبهني الصديق حافظ المسكري إلى مشهد آخر لعجوز تقارب الثمانين إن لم تكن تجاوزتها تقود عربة صغيرة جدا خصصت وفقا للعلامة التي تحملها لذوي الاحتياجات الخاصة . رابعا : في الشارع السريع وفي طريقنا إلى انسبروك لفت انتباهنا سور عال على مسافات طويلة عرفت بعد سؤال طرحته على زملاء الرحلة بأنه يعمل على امتصاص أصوات السيارات ومنعها من ازعاج السكان وينصب في المواقع التي تكون فيه القرى والتجمعات السكانية قريبة من الشارع . خامسا : تتوقف السيارات حتى وإن كانت الإشارة خضراء عند عبور المشاة من أمامها . سادسا : لم نسمع أبدا طوال إقامتنا في المدن الأوروبية التي أخذنا التطواف إليها بوقا لسيارة ولا نزاعا بين شخصين ولا حادثا مروريا . خلال تناول الغداء في مطعم السلام الذي يمتلكه فلسطيني مقيم في انسبروك، التقينا وتحاورنا مع شابين في مقتبل العمر من سوريا، وصلا إلى المدينة قبل أربعة أعوام، أحدهما يعمل والثاني مازال يواصل تعليمه في الجامعة، أخبرانا عن معاناتهما في الهروب من سوريا عبر الغابات والقرى إلى تركيا ومنها إلى عدد من البلدان الأوروبية إلى أن ابلغهما المطاف مدينة انسبروك، وحالة الشتات التي تعيشها أسرتاهما حيث تفرق الآباء والأمهات والأخوة في عدد من البلدان الأوروبية والبعض لايزال في سوريا أو تركيا أو بلدان أخرى، عرفنا منهما ان النظام في النمسا يقدم للمهاجر راتبا شهريا وسكنا وتعليما وعلاجا مجانيا واعفاء ضريبيا إلى أن يجد عملا يوفره له القانون في نهاية الأمر، وبأقل راتب شهري لأي عامل لا يقل عن الف يورو، فيما تحصل الأسرة المكونة من زوجين وطفلين على 2000 يورو شهريا، وياللعجب كيف أصبحت المدن والعواصم الاوروبية ملاذا للعرب والمسلمين الهاربين من القتل والكراهية والأحقاد والدمار والتعصب الأعمى، الذي يقوده اخوتهم في العروبة والعقيدة والانسانية، يجدون فيها السلام والطمأنينة والحقوق والاحترام ؟ سؤال قائم على مشاهد ومواقف وصور تستحق التأمل والنقاش واستخلاص الدروس البليغة والتفكر في الكثير من المسلمات والقناعات والتأويلات والتبريرات التي نؤمن بها ونراها حقا لنا نحن العرب والمسلمين فيما ننكرها على الآخر، هذا في إطار الشعارات والتنظيرات والخطب أما على مستوى الممارسة والعمل والواقع فالصورة مختلفة .
سادسا : زيلامسي .
يظهر أن السياح الخليجيين الذين يفدون إلى زيلامسي وجهتهم المفضلة في مناطق وبلدان الألب أطلقوا لها دعاية ترويجية غير مسبوقة باعتبارها جنة الله على الارض فتغنوا في شبكات التواصل ومواقع النت المتخصصة في السياحة والسفر بطبيعتها الخلابة ومناظرها الساحرة وبحيرتها التي تحمل اسم المدينة (تسيليز زي) اي بحيرة زي وفقا للغة الالمانية . وحقق ذلك التسويق جذبا سياحيا نشطا من منطقة الخليج والدول العربية خلال فترة الصيف خاصة على حساب مناطق ومواقع سياحية أخرى تتقدمها جمالا وتنوعا وفرادة من حيث الطبيعة الساحرة والثراء الثقافي والتاريخي والمعماري والفنون التي تدعو السائح إلى التأمل والتدبر وتستولي على خلجات نفسه وتزيده اعجابا بعظمة أوروبا وثقافتها الغنية بالتنوع . السياحة الخليجية التي ركزت على زيلامسي انعشت المطاعم التركية والعراقية والمصرية والهندية ... التي تقدم الأصناف العربية من الطعام ومقاهي الشيشة التي يديرها عرب واتراك وهنود، واستقدام وعرض السلع والبضائع والهدايا التي يستخدمها ويطلبها ويركز عليها السائح الخليجي ... تجوالنا السياحي على شاطئ البحيرة المشهورة وفي سوق زيلامسي وجاداتها وساحاتها الجميلة وكنيستها القديمة التي شيدت في القرن الثامن الميلادي على يد الرهبان المسيحيين المرسلين من كاتدرائية سالزبورج وانتقالنا بالتلفريك إلى قمم جبال الالب البيضاء التي تكسوها الثلوج وأسعار الفنادق المنخفضة ... كشف لنا ضعف عدد وأفواج السياح فيها مقارنة بالمدينة القديمة في سالزبورج وانسبروك، ما يؤكد انها ذات طابع سياحي خليجي ينشط في اشهر الصيف الحارة في الخليج . يبلغ اقصى عمق سجل لبحيرة زيلامسي ٦٩ مترا وتكاد تحيط بالمدينة من كل جانب وعلى ضفتها اقيمت الفنادق الفخمة وعدد من المطاعم التي تخدم السائح ونشطت فيها سياحة القوارب بمختلف انواعها، تقع البحيرة بين جبلين جروس جلوكنير وهو اعلى جبل في النمسا يبلغ ارتفاعه ٣٧٩٨م وكيتس شتاين هورن بارتفاع ٣٢٠٣ م . أما سياحة الجبال فتقدم لهواة التزلج والشغف بركوب التلفريك والتصوير ومشاهدة الثلوج صيفا أو شتاء حزمة من المغريات التي تستهوي السياح وتدر على المدينة موارد مهمة من قطاع السياحة.

سعود بن علي الحارثي
[email protected]