”لا يعترف الإخوان بالتغيير الذي حدث في مصر، ولا يرون أن الشعب لفظهم، ويصورون استعادة النظام والدولة ومؤسساتها على أنه "انتكاسة" ـ وهذا طبيعي بالنسبة لهم، وان كان بالنسبة للمواطن المصري العادي بداية صحيحة لإعادة بناء بلده. والأمر بالنسبة للإخوان لا علاقة له بالديموقراطية أو السياسة أكثر ما هو ضربة للتنظيم الدولي وخططه التي اكتسبت زخما هائلا بوصولهم إلى السلطة في مصر وتونس.”
ــــــــــــــــــــــــــ
أما وقد تسلم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مهام منصبه فيمكن القول إن شرعية جديدة تأسست في مصر، بغض النظر عن الموقف منها، ويجب التعامل معها على هذا الأساس. وربما كان الصحيح ألا يتدخل أحد في الشأن الداخلي المصري، وتحديدا ما يتعلق بموقف السلطة الجديدة من القوى والأطراف المصرية الأخرى. ليس هذا فقط من باب أن " أهل مصر أدرى بشعابها "، او أن مصر لا تهم العرب والعالم ـ على العكس إذ سيظل الشأن المصري مادة لتعليقات وآراء الجميع وهذا طبيعي بحكم وضع مصر وعلاقتها بمحيطها والعالم. لكن المقصود هنا تحديدا هو الموقف من جماعة الإخوان، التي لا شك لها مؤيدوها في المنطقة والعالم كما داخل مصر نفسها.
القضية ببساطة أن جماعة الإخوان هي فيما يخص موقف السلطة الجديدة في مصر منها شأن مصري داخلي، وفي الوقت نفسه هي جماعة لا تعترف بالأوطان وإنما تتجاوز أجندتها حدود الدول في تطلعها للحكم وفي نشاط الجماعات التي تدور في فلكها، وبعضها مصنف "جماعات ارهابية" بالفعل من قبل أغلب دول العالم. مع ذلك، فإن "أغلب دول العالم" تلك هي التي تتخذ من قضية الإخوان في مصر تكأة للتدخل في الشأن الداخلي المصري على أساس ذات المبررات التي استخدمها الغرب منذ نهاية الثمانينيات من القرن الماضي لتجاوز معايير سيادة الدول والتدخل العسكري الاستباقي وتغيير الأنظمة ومحاولة إعادة تشكيل الدول والمناطق وتأجيج الصراعات المسلحة في الدول المراد إضعافها وتفتيتها على أسس عرقية وطائفية. من المنطقي إذا النظر إلى أي موقف خارجي مما يجري في مصر يستند إلى دعم الإخوان أو استنادا إلى مواقفهم على أنه أكثر من تدخل خارجي، بل يندرج في إطار ما أشرنا إليه من "استهداف" يرقى إلى مستوى الاعتداء.
لا يعترف الإخوان بالتغيير الذي حدث في مصر، ولا يرون أن الشعب لفظهم، ويصورون استعادة النظام والدولة ومؤسساتها على أنه "انتكاسة" ـ وهذا طبيعي بالنسبة لهم، وان كان بالنسبة للمواطن المصري العادي بداية صحيحة لإعادة بناء بلده. والأمر بالنسبة للإخوان لا علاقة له بالديموقراطية أو السياسة أكثر ما هو ضربة للتنظيم الدولي وخططه التي اكتسبت زخما هائلا بوصولهم إلى السلطة في مصر وتونس. فلم يتوان الإخوان لحظة منذ وصولهم إلى السلطة في مصر عن كشف خططهم ونواياهم فيما يتعلق بالمنطقة والعالم، وكان ذلك من العوامل التي ألبت الناس عليهم. وهم يدركون أهمية مصر، فحتى لو تمكنوا من السلطة في تونس أو السودان أو ليبيا فإن سيطرتهم على مصر أساس لمشروعهم الاقليمي وربما الدولي وبدونها ينهار المشروع. وهذا سبب موقفهم الذي يتجاوز الوضع الداخلي في مصر بكثير. ومن يدعمون الإخوان من خارج مصر هم بالضرورة شركاء في ذلك المشروع الإخواني ـ وان كان فقط بتقاطع المصالح.
لن يقبل الإخوان بالتغيير ولا بالاستقرار في مصر ولا بالتطور ومحاولة اعادة البناء، ليس حرصا على "شرعية" مدعاة او "نضالا" من أجل ديموقراطية، وانما لأن الاستقرار والتنمية ستعني القضاء التام على حلمهم بسلطة مصر. ومع تراجع تأثير احتجاجات أنصارهم، وحتى عمليات العنف المسلح لجماعات مرتبطة بهم، يركز الإخوان على الاقتصاد ومحاولة افشال اي تحرك مصري نحو استعادة طريق النمو وحل المشاكل المزمنة التي تعاني منها منذ عقود. ويستفيد الإخوان في ذلك من تقاطع مصالح مع مصالح قوى خارجية لا تريد لمصر الازدهار ـ ولا الانهيار التام طبعا ـ وانما ان تظل بحال ضعف وتناحر لا يفنيها ولكن لا يجعلها قوة. وسيعمل الإخوان، عبر قياداتهم في الخارج وتحديدا في بريطانيا وتركيا، على افساد اي جهد مصر لجذب الاستثمارات الأجنبية أو استعادة العلاقات التجارية والاقتصادية مع الخارج.
وكل ما يفكر فيه قادة التنظيم الدولي وقيادات إخوان مصر في الخارج الآن هو أن بالإمكان تحويل مصر إلى سوريا، وتسويق ذلك دوليا بمساعدة الداعمين الأتراك وغيرهم، على أساس أن الحكم فيها أصبح "عسكريا" وبطريقة "غير ديموقراطية". ويتوقع ان ترتفع وتيرة أعمال العنف من تفجيرات وهجمات ارهابية في مصر في الفترة المقبلة، أولا لإظهار الوضع في مصر بأنه غير مستقر ولا يشجع على الاستثمار وثانيا لتهيئة مناخ اقتتال داخلي وتدخل قوى خارجية بمساعدة الإخوان وأتباعهم في صراع داخلي مسلح مثل ما جرى في سوريا قبل ثلاثة أعوام. ولسنا بحاجة هنا لتعداد القوى والأطراف التي لا تريد بمصر خيرا، وترغب في تحويلها إلى سوريا أو ليبيا، وبعض هؤلاء يدعم الإخوان علنا ويوفر لهم الملاذ والمساندة بكافة اشكالها.
يستند الرهان على ان مصر لن تكون سوريا إلى أن الجيش المصري أدرك ذلك مبكرا وربما كان موقفه منذ ثورة يناير 2011 محاولة لمنع البلاد من الانزلاق في هذا المنحدر. ومن نافلة القول الخوض في أوجه الخلاف بين وضع مصر ووضع كل من سوريا وليبيا قبل الاحتجاجات وحتى الاختلاف في شكل المؤسسة العسكرية في البدان الثلاثة وموقعها من السلطة فيهم. ولعل ذلك هو ما يفسر حرص القيادة الجديدة في مصر على تفادي الضغوط التي ربما يمارسها شركاؤها ممن لهم موقف محدد في سوريا أو ليبيا. ليس لأن القاهرة بحكمها الجديد تتخذ موقفا مع نظام أو معارضة في هذا البلد او ذاك، بقدر ما هي محاولة للنأي عن صراع يراد نسخه في مصر حتى يتم تحصين البلاد واضعاف الخطر الإخواني إلى اقصى حد.

د. أيمن مصطفى
كاتب صحفي عربي