إن التقارب بين طرفين إقليميين أو بين طرف عربي وطرف إقليمي يعد حالة صحية، ويعبر عن فسحة الأمل وبُعد الرؤية، فهذا التقارب لا يختلف في شيء عن تقارب قريبين أو شقيقين وما يربطهما من وشائج قربى؛ لأن التطلعات المشتركة والآمال المتشابهة والمصالح التي هي بحاجة إلى دفع وتعزيز تجعل الشراكة الإقليمية ـ الإقليمية والعربية ـ الإقليمية أمرًا شبه حتمي، وهناك من قادة الدول الإقليمية وعلى رأسهم الدكتور حسن روحاني رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية وعبدالله جول رئيس الجمهورية التركية ينظران إلى طبيعة المنافع المتبادلة الممكن التوصل إليها بين الجانبين الإيراني والتركي بما ينعكس إيجابًا على العلاقات الإيرانية ـ التركية من ناحية، وعلى العلاقات الإيرانية والتركية ـ العربية من ناحية أخرى، وذلك لكون إيران وتركيا دولتين إقليميتين مؤثرتين في المنطقة وترتبطان بصورة مباشرة اقتصاديًّا وسياسيًّا وأمنيًّا، ولكونهما جارين للعرب يتمتعان بقوة اقتصادية وعسكرية وتعد المنطقة العربية مجالهما الحيوي لتحقيق مصالحهما، حيث تعتمد المنطقة العربية على الاقتصادين الإيراني والتركي، بل إنهما يرتبطان ارتباطًا كبيرًا باقتصادات الدول العربية.
ولذلك فإن زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى تركيا تكتسب أهمية كبرى خاصة وأنها تأتي في ظل متغيرات سياسية واقتصادية لا تشهدها المنطقة فحسب، وإنما العالم بأسره، حيث خطورة تداعيات تطورات الأحداث التي تشهدها المنطقة جراء مؤامرة ما سمي "الربيع العربي" وضلوع دول إقليمية وعربية وغربية بصورة مباشرة في دعم هذا "السونامي" المركب من الفوضى والإرهاب والتدخل في الشأن الداخلي للدول العربية التي يعصف بها هذا "السونامي" الذي راح يتحسب لتداعياته وارتداداته كل من راهنوا على الإرهاب والفوضى والتدخل في الشأن الداخلي سبيلًا للوصول إلى مآربهم نتيجة نظرتهم الضيقة المنحصرة في الأطماع واستعمار الدول واستعباد الشعوب واستلاب ثرواتها ومقدراتها.
إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية والجمهورية التركية هما جارتان جغرافيًّا وترتبطان بعلاقات تاريخيّة عمادها الدين الاسلامي مع العرب، وهذه العلاقات يترتب عليها استحقاقات من أطرافها تجاه بعضهم البعض تقوم على الاحترام وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، ومد يد الأخوة والصداقة والمحبة والألفة والتخلي عن سياسات جالبة للهلاك والدمار وضرب الاستقرار والتنمية الشاملة، وبالتالي فإن ما تعهد به الرئيسان الإيراني والتركي يعبر عن إدراكهما لحاجة المنطقة العربية أو بالأحرى جيرانهم العرب إلى جهود طهران وأنقرة في تحقيق الاستقرار والرخاء والعمل معًا على احترام إرادة الشعوب العربية ومنع الآخرين عن سياسة التدخل في الشأن الداخلي ومكافحة الإرهاب، فالتدخل في الشأن الداخلي والإرهاب يمثلان اليوم أكبر تحدٍّ للمنطقة وأكبر خطر عليها. ولهذا فإن تأكيد كل من روحاني وجول في ختام مباحثاتهما على "إنهاء المعاناة في المنطقة والعزم على التوصل إلى ذلك" وتأكيدهما على توحيد الجهود المشتركة لإيران وتركيا في هذا الصدد، وعلى عزمهما محاربة التطرف والإرهاب، يؤسس لبداية جيدة في هذه الاتجاه، فالشعوب العربية قد ملت وسئمت التدخل في شؤونها الداخلية تحت شعارات كاذبة وواهية، وتبحث عن الاستقرار والأمن والعيش الكريم، بدلًا من دعم الإرهاب ضدها والمتاجرة بحقوقها.
ولأن الدول العربية وإيران وتركيا لديها تطلعات متشابهة لمعالجة الظروف الصعبة التي تمر بها المنطقة وبخاصة على الجوانب السياسية والاقتصادية والأمنية، فإن الدور الإيراني ـ لا سيما بعد الانفراجة الحاصلة في الملف النووي بين طهران والغرب ـ يمكن أن يفتح قنوات دبلوماسية وسياسية من شأنها أن تعيد الاستقرار والأمن في ربوع المنطقة والعالم.