[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedaldaamy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]أ.د. محمد الدعمي[/author]
” يبدو أن ولاة الأمر في العراق لم يكونوا يدركون أبعاد المواجهة التي استدرجوا إليها، ظانين أن الأمر مجرد نزهة يمكن أن تقضي على ماكان يعتمل "تحت السطح" من احتجاج اجتماعي وفوضى مدنية، بدليل أنهم لم يتوقعوا أن أنظار قيادة "داعش" إنما ترنو إلى آبار نفط نينوى وكركوك، ذلك أن وضع اليد الحديدية عليها سيقلب رؤيا "الشرق الأوسط الجديد" إلى رؤيا من نمط آخر، لن يسلم منها أحد.”
ــــــــــــــــــــــ

قايض الأميركان غزوهم العراق برؤيا فردوسية علّق العراقيون آمالهم عليها، رؤيا قوامها قلب العراق من دولة أعتى دكتاتورية في العالم إلى واحة ديمقراطية تفعل خطة طريق تشكيل الإقليم حسب مصالح الدولة الأقوى، الولايات المتحدة الأميركية، بديلاً عن مصالح الإمبراطوريتين البريطانية والفرنسية الآفلتين. بيد أن مايجري اليوم في العراق، بعد سنوات زادت على عقد من الفوضى والفساد وغياب الرؤيا الوطنية الحقة لهو دليل على إنهيار الرؤيا الأميركية/العراقية التي استحالت إلى "لعبة سرعة ومناورة"، "لعبة كرّ و فرّ" لا يمكن قط أن تحقق للعراقيين ما كانوا يتوقون له سنة 2003، مع بالغ الأسف.
وإذا كان هناك من يقرأ سيطرة داعش (ISIS: Islamic State of Iraq and Syria) على الموصل، مركز محافظة نينوى الغنية، بأنها مناورة لاستدراج الإرهابيين إلى زوايا خانقة لغرض الانقضاض عليهم؛ ثم إذا كان هناك من يحلل هذه المأساة بوصفها محاولة من "الرجل القوي" في العراق، نوري المالكي، لاستقطاب كافة القطاعات الاجتماعية العراقية إليه، على سبيل ولاية رئاسة وزراء ثالثة، فإن على المرء أن ينوه إلى أن الدولة لا تتعامل مع خصم تقليدي يمكن احتواؤه حسب المعايير العسكرية التقليدية، ذلك أن عليها كذلك أن تواجه هذا الخصم العالي القدرة والكفاءة في ألعاب الكر والفر والحرب الخاطفة والاحتلالات المؤقتة في سياق التراكمات الاجتماعية والضغائن الطائفية والاحتجاج الاجتماعي المتزايد الذي وصل حداً أشبه ما يكون بليلة القضاء على نظام صدام حسين، حيث برر المعارضون تعاونهم مع الأجنبي بلا جدوى القضاء على ذلك النظام من الداخل، فاستعانوا بالعالم الغربي ممتطين "العجز" وسيلة.
إن من يتابع ماحدث في مدن الرمادي والفلوجة، ديالى وكركوك، تكريت والشرقاط وتوابعهما، وأخيراً في الموصل لا يمكن إلا أن يشك في بقاء الحال في العراق على ماكان عليه منذ 2003. أما الذين يراهنون على القوة العسكرية والحسم خلال سويعات، فهم واهمون، لأن المواجهات قد استحالت إلى ألعاب سرعة ومناورة يمكن أن تفاجىء الدولة بما لم يخطر على بال مديريها الذين ربما اعتقدوا أنهم قادرون على ممارسة ألعاب الفروسية التي كانت سائدة في العصر الوسيط. إنه لعب بالنار، بدليل إنهيار القوات الحكومية التي ابتلع تشكيلها ثروات العراق الأسطورية، ثم انتقل إلى ماقدمته دول العالم الأخرى من مساعدات وقروض وهبات سخية، لتذهب جميعاً "مع الريح"، هواء في شبك، لحظة انتزاع الجنود بزاتهم العسكرية في الشوارع خشية أن يظفر بهم مقاتلو "داعش"!
يبدو أن ولاة الأمر في العراق لم يكونوا يدركون أبعاد المواجهة التي استدرجوا إليها، ظانين أن الأمر مجرد نزهة يمكن أن تقضي على ماكان يعتمل "تحت السطح" من احتجاج اجتماعي وفوضى مدنية، بدليل أنهم لم يتوقعوا أن أنظار قيادة "داعش" إنما ترنو إلى آبار نفط نينوى وكركوك، ذلك أن وضع اليد الحديدية عليها سيقلب رؤيا "الشرق الأوسط الجديد" إلى رؤيا من نمط آخر، لن يسلم منها أحد.