إذا كان الإنسان هو حجر الزاوية في التنمية فإن الحرية هي حجر الزاوية في الاستقرار والعيش المشترك والنماء والتقدم والتطور والرفاه، ولهذا كرست النهضة العمانية المباركة منذ بزوغ فجرها الوضاء على ربوع البلاد مبدأ الاهتمام بالإنسان العماني ورعاية حقوقه، ومبدأ الحرية وما تشمله من حرية في الفكر والتعبير والاعتقاد واحترام هذه الحرية وضبطها بضوابط القانون، وبالتالي كان هذان المبدآن ولا يزالان يحظيان بعناية خاصة من لدن القيادة الحكيمة ومن حكومة السلطنة، ونتيجة لهذا الاهتمام غير العادي بهذين المبدأين أن تعمق مفهومها في عقل ووجدان كل مواطن عماني، فأصبح ينظر إلى شعار "الإنسان هدف التنمية وغايتها" و"قطب الرحى الذي تدور حوله التنمية"، وإلى مبدأ الحرية والمساواة المكفول بالمادة (17) من النظام الأساسي للدولة، نظرة تقدير واحترام وتطبيق وعمل.
ولذلك فإن الاهتمام بالإنسان العماني وتكريس مبدأ الحرية وأهمية احترامها لم تفرضهما ظروف الزمان والمكان، ولم يكونا يومًا وسيلة من وسائل الدعاية أو المتاجرة، ولا لأجل أن يكونا مادة إعلامية تتصدر نشرات الأخبار والصفحات الأولى للصحف الصادرة، وإنما هما ركنان أساسان من الأركان التي قامت عليها الدولة العمانية الحديثة بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ انطلاقًا من الفكر الوقاد والحكمة النيرة بأن الإنسان هو صانع التنمية وصانع نهضته وراسم صورة حاضره ومستقبله هو المحرك الأساسي للتنمية.
وما أفردته كلمة السلطنة من مساحة أمام الجلسة الافتتاحية للدورة السادسة والعشرين لمجلس حقوق الإنسان والتي ألقاها المندوب الدائم للسلطنة لدى الأمم المتحدة بجنيف أمس الأول، وكذلك ما سطرته من مفردات عن وضع حقوق الإنسان والحريات في السلطنة هو غيض من فيض، وتأكيد على منصوص في النظام الأساسي للدولة، وتأكيد على ممارسة فردية وجماعية داخل السلطنة ويتلذذ بحلاوتها ويشعر بطلاوتها كل مواطن.
ومن البديهي من عمل على الاهتمام بالإنسان ورعاية حقوقه وتنميته من جميع الجوانب وإتاحة الحرية الواجبة للقيام بدوره، أن لا يغفل إنسانًا أي إنسان عن الوقوف إلى جانبه إما بالموقف أو الكلمة أو استخدام الوسائل الممكنة، تعبيرًا عن احترامه وتقديره، ورفض الممارسات والانتهاكات بحقه، واليوم ليس هناك إنسان تنتهك حقوقه ويتعرض للابتزاز والابتذال ولأبشع الممارسات العنصرية غير الإنسان الفلسطيني، ولهذا ظلت السلطنة على مبدئها الثابت من القضية الفلسطينية منافحة عنها وعن الشعب الفلسطيني، حيث أكدت السلطنة في كلمتها على حق الإنسان الفلسطيني في العيش الكريم واستعادة حقوقه، وتذكير العالم بأن القضية الفلسطينية تبقى مثالًا حيًّا في معاناة شعب بأكمله محرومًا من حقوقه الإنسانية مع القناعة التامة بأن استمرار هذه المعاناة هو استمرار لعدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط بكاملها، ولذلك ينبغي وضع حد للصلف والتنمر الإسرائيلي وسياسة التنكر والمصادرة والاستيلاء والاستيطان والتهجير والحصار التي يتبعها كيان الاحتلال الإسرائيلي.