[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]
بدت قمة العشرين التي اختتمت أعمالها أمس الأول في مدينة هامبورج الألمانية نسخة من القمم العربية، من حيث الاستعراض اللغوي والبلاغي من خلال الخطب والتحليلات الملقاة تحت قبة القمة أو في المؤتمرات الصحفية، ثم الحصيلة بيان هزيل متضمن مجموعة من القرارات غير الملزمة لأحد، بل لن يلتزم بها أحد من الأعضاء، مع فارق أن كل عضو انطلق من مصالح بلاده العليا في بناء مواقفه والتمترس عليها، في حين أن أغلب أعضاء القمم العربية ينطقون بلسان غير لسانهم في بناء مواقفهم لا سيما فيما يتعلق بقضايا المنطقة وأمنها واستقرارها، وخاصة القضية الفلسطينية، والصراع العربي ـ الإسرائيلي.
لقد كانت المصلحة الوطنية العليا الخاصة هي اللغة الفوقية لكل عضو من الأعضاء العشرين أو ما دون العشرين، ما جعل القمة تتحول إلى بازار مساومات ومزايدات يحاول كل طرف تحقيق أكبر قدر من المنافع والمصالح على حساب الآخر، بينما حوَّل بعضهم القمة إلى مكب لنفاياته السياسية، وبالتالي لم يكن هناك قاسم مشترك أو أهداف مشتركة يمكن أن تؤسس لعمل جامع ومشترك يضع المصلحة الجمعية والاستقرار في العالم في صدارة الأولويات، فبدا بعضهم لا يريد رؤية المشهد العالمي على اتساعه وما يتهدده من أخطار ونزاعات، فآثر التعامل مع الموقف انطلاقًا من زاوية رؤيته فقط.
وكما هو معروف عن مجموعة دول العشرين أنها منتدى التعاون الاقتصادي العالمي الأهم أُسِّس في العام 1999م بسبب الأزمات المالية في التسعينيات بهدف تقديم حلول مستدامة، والتصدي للأزمات المالية والاقتصادية العالمية، وتتولى هذه المجموعة تنظيم المؤسسات المالية والإشراف عليها كالمصارف وشركات التأمين، وتولي اهتمامًا بالغًا بالأمن الغذائي العالمي والتحدي السكاني، وتركز على التنمية الزراعية، وتسيطر مجموعة العشرين على 80% من التجارة العالمية، و90% من الناتج العالمي الخام، وتضم ثلثي سكان الأرض. إلا أنه بالنظر إلى ذلك نجد أن قمم هذه المجموعة أخذت تبتعد تدريجيًّا عن مجال عملها ونطاق مناقشاتها وأهدافها ومعالجاتها، وأضحى انعقادها تقليدًا دوريًّا. وبداية تخليها عن الأهداف التي تشكَّلت من أجلها كان في العام 2003م الذي شهد خرق الولايات المتحدة القانون الدولي، وتجاوز شرعة الأمم المتحدة باتخاذها قرار غزو العراق واحتلاله ونهب ثرواته، كما تؤكد المظاهرات العارمة التي تكتظ بها الساحات والشوارع في العواصم والمدن التي تنعقد فيها هذه القمة تلك الحقيقة، حيث ينادي المتظاهرون بالعدالة والمساواة، ورفع الظلم ورفض العولمة، ووقف الحروب والهجرة، وتمويل الإرهاب.
التباين الذي بدت عليه قمة هامبورج عكسه بيانها الختامي وتصريحات المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لا سيما حول الخلاف بين الولايات المتحدة وباقيا لأعضاء على اتفاقية باريس الخاصة بمكافحة آثار تغير المناخ. فقد جاء في البيان "علمنا بقرار الولايات المتحدة الأميركية بالانسحاب من اتفاقية باريس". وأضاف" زعماء الدول الأعضاء في مجموعة العشرين يعلنون أن اتفاقية باريس لا رجعة فيها". وبشأن التجارة، وهي إحدى النقاط التي كانت شائكة خلال القمة على مدى يومين، اتفق الزعماء على"مكافحة السياسات الحمائية بما في ذلك كل الممارسات التجارية غير العادلة في الوقت الذي أقروا فيه بدور الأدوات المشروعة للدفاع عن التجارة في هذا الصدد". أما ميركل فقد قالت في المؤتمر الصحفي الختامي إن قضايا التجارة لا يزال بها صعوبات "لكننا أحرزنا نتائج جيدة تمامًا في بعض القطاعات". مضيفة أنه قد ظهر جليًّا في بعض المجالات "أننا يمكن أن نحقق فيها معًا أكثر مما نحققه فرادى" وذلك في إشارة إلى السياسة الانعزالية للرئيس الأميركي دونالد ترامب، مؤكدة تصريحها القائل إن على الأوروبيين أن يحرروا أنفسهم من الاعتماد على الولايات المتحدة بصورة أقوى، وأنه يبقى من الصواب "أن نأخذ نحن الأوروبيين مصيرنا في أيدينا، في بعض الأمور، وهذا الأمر تفعله أوروبا بشكل جيد أيضًا".
أما موضوع محاربة الإرهاب وتجفيف تمويله فكان من أبرز الموضوعات على طاولة القمة، إلا أنه لم يكن استثناء عن التجارة والمناخ، بحيث يمكن أن يشهد العالم انقلابًا على ما يجري حاليًّا من استثمار في الإرهاب وتوظيف تنظيماته والرهان عليها في بعثرة الدول وتدميرها والسيطرة على ثرواتها ومقدراتها، وتقديم ما يلزم التنظيمات الإرهابية من دعم، فلم تتخط المواقف المعلنة تجاهه في القمة اللغة الترويجية الدعائية، وسط ركام من المقولات والمصطلحات والمفاهيم العائمة وغير المحددة بزمان أو مكان، حيث يحاول الكذب أن يغتسل بشهوة الاستعمار والعدوان المفتوحة على مصراعيها، لذلك ليس أمام الدول التي اختارت طريق محاربة الإرهاب سوى المضي فيه.
من الوارد أن يأتي زمن على هذه القمة أن تكون استضافتها عبئًا ماليًّا وسياسيًّا على أعضائها ـ كما هو حال قمم جامعة الدول العربية ـ إذا ما استمرت الأنانية وتحكمت نزوات السيطرة على العالم والتحكم في مقدراته وثرواته.

[email protected]