مضت ـ ولا تزال ـ عملية التنمية في بلادنا على قدم وساق وفق الخطط الموضوعة لها في اطار مسيرة النهضة المباركة التي يرعى مسيرتها حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ بحرص وتفانٍ. وتدل الشواهد الموضوعية على الأرض أن هذه الخطط والعمليات التنفيذية لها لم تتأثر بالأزمات المالية والاقتصادية العالمية بالقدر الذي يجعل عملية التنمية تتراجع أو تتوقف.
فقد حرصت السلطنة كغيرها على استثمار الحوافز والأموال التي استثمرتها، وكذلك عائدات النفط، في مد البنى الأساسية طوال العقود الماضية، حيث نتج عن ذلك إقامة مشاريع عملاقة كالموانئ والمناطق الاقتصادية الحرة والمناطق الصناعية، ما كان له الأثر الكبير في خلق مناخ استثماري جاذب ـ مع توجه صادق راغب في التنويع الاقتصادي ـ عبر مجموعة من القطاعات التي تملك السلطنة مقومات واعدة بها.
هذا الأداء التنموي الذي اختطته السلطنة أذهل المؤسسات الدولية ذات العلاقة وتلك المعنية بمتابعة النمو والناتج الإجمالي المحلي، وحجم الجهود التي تبذلها البلاد حيال ذلك، ورصد التقارير بشأنها، حيث توالت طوال مراحل التنمية وعقود النهضة المباركة التقارير الإيجابية التي تشيد بالأداء الاقتصادي والتنموي في السلطنة. ويعد البنك الدولي إحدى المؤسسات الدولية المعنية بالرصد والمتابعة، ودائمًا ما تأتي تقاريره المتعلقة بالتنمية والاقتصاد في السلطنة إيجابية، حيث أكد البنك أن الناتج المحلي للسلطنة ارتفع من256 مليونًا و299 ألفًا و469 دولارًا عام 1970 إلى 29ر66 مليار دولار عام 2016؛أي تضاعف بمقدار 275 مرة خلال تلك الفترة. وأشار البنك في إحصائية نشرها على موقعه الإلكتروني أمس إلى أن أعلى معدل ناتج محلي سجلته السلطنة كان في عام 2014 حيث بلغ 03ر81 مليار دولار، حينما كانت أسعارالنفط مرتفعة. وبيَّن البنك أن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في السلطنة ارتفع من 320 دولارًا سنويًّا عام 1970 إلى 18080 دولارًا خلال العام 2015؛ أي تضاعف 5ر56 مرة خلال تلك الفترة.
وتؤشر تلك الأرقام إلى أن ثمة جهودًا ليست بالسهلة بذلت، وهي تؤكد في الوقت ذاته الوفاء بالعهد الذي قطعه جلالة عاهل البلاد المفدى بأن يعمل بأسرع ما يستطيع لجعل أبناء عُمان الأوفياء يعيشون سعداء، كما تعتبر تلك الشهادة الدولية المعززة بالأرقام وسامًا على صدر القائمين على حركة التنمية بالبلاد، علاوة على أنه اعتراف دولي بالإنجازات التي تحققت خلال مسيرة النهضة المباركة التي تعهد مسيرتها جلالة السلطان المعظم ـ أيده الله.
إن مثل هذه التقارير مثلما سلطت الضوء على حجم المنجز والجهود تجاه مسيرة التنمية في بلادنا، فإنها ترتب مسؤوليات وتدعو إلى مزيد من العمل، بل يجب أن لا نقف عند حدود مثل هذه التقارير، فبلادنا بحاجة إلى مزيد الانفتاح الاقتصادي على العالم، وتسهيل حركة رأس المال والاستثمارات استجابة لبرامج التنويع الاقتصادي، وخطط عدم الاعتماد على مصدر النفط، وتنشيط دور المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وكذلك تحريك قطاعات الصناعات التحويلية والثقيلة التي يجب أن يسهم فيها القطاع الخاص إسهامًا كبيرًا، مع إصدار اللوائح والتشريعات التي تشجع على الاستثمار الخاص وتحمي حركة رؤوس الأموال والأرباح، وتحمي كذلك المؤسسات الصناعية والتجارية من أية عمليات احتكار أو إغراق أو غش صناعي أو تجاري.
وفي ظل الانتكاسة العالمية لأسعار النفط، يبقى مهمًّا مضاعفة الجهود في مجال تشجيع وجذب الاستثمار الأجنبي من خلال العمل على دعم وتشجيع القطاع الخاص المحلي والأجنبي لاستثمار الفرص في القطاعات الاقتصادية المتنوعة خاصة في قطاعات استراتيجية مستهدفة كالسياحة والصناعة والتعدين واللوجستيات والزراعة والثروة السمكية، وهي قطاعات تمتلك العديد من الفرص إذا ما أحسن استثمارها والتسويق لها محليًّا وخارجيًّا.