حبيب الهادي وخالد الرحبي: الدراسة تهدف إلى تعرّف الأدوار التي قام بها العمانيون وكانوا طلائع حملة الإسلام وحضارته

ـ البحث عن مدرسة مهمة من مدارس الفكر الإسلامي كان لها شأن كبير في انتشار الإسلام

ـ أبو عبيدة ابن القاسم من أوائل التجار العمانيين الذين عملوا بالتجارة ونشر الإسلام والنظر بن ميمون كان له دور بارز في نشر الإسلام بالمحيط الهندي

ـ العمانيون كانوا ربابنة البحر في تلك الفترة وبلا منازع .. والهجرات العربية كانت أغلبها "عمانية"

قراءة ـ علي بن صالح السليمي:
عقد مؤخرا مؤتمر حول "الدور الحضاري لعُمان في وحدة الأمة" والذي عقد خلال الفترة من 18 الى 20 فبراير 2014م في الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا ..
ومن ضمن ما قدم خلال المؤتمر من بحوث وأوراق عمل كانت لنا هذه القراءة في ورقة عمل بعنوان:"دور العمانيين في نشر الحضارة الإسلامية في منطقة جنوب شرق آسيا من القرن الأول حتى الرابع الهجريين"، للباحثين: حبيب بن مرهون الهادي وخالد بن محمد الرحبي ..
يستهل الباحثان هذه الورقة بأن هذه الدراسة تهدف إلى تعرّف الأدوار التي قام بها العمانيون .. رواد المحيط الهندي الذي يعد منطقة نفوذ لهم خلال الفترة من القرن الأول حتى الرابع الهجريين، فمن خلاله وصلوا إلى شرق إفريقيا، وجنوب شرق آسيا، حاملين تجارتهم في الوقت نفسه كانوا طلائع حملة الإسلام وحضارته، حاملين معهم اللغة العربية وعاداتهم تقاليدهم الحميدة والقيم الإنسانية النبيلة، فعمّ الإسلام معظم سواحل المحيط الهندي وجزائره، بل وتغلغل في أدغال وغابات المناطق الموسمية والاستوائية، فانزاحت غمامة الجهل والحرمان، وتبددت غياهب الجور والطغيان، وأضحت تلك البقاع تشع منها أنوار الإسلام، وتهب من خلالها نسائم الخير والإحسان، ولا عجب في ذلك فقد قيل بأن التجارة هي مطية الحضارة.
وذكرا هنا بأن المصادر المختلفة تورد أن أول الهجرات العربية الحاملة للواء الإسلام والدعوة إلى الشرق الأقصى كانت في القرن الهجري الأول وذلك زمن عبدالملك بن مروان، حيث وصل الفاتحون الدعاة إلى الهند والصين وسومطرة وما جاورها وبما أن العمانيين كانوا هم ربابنة البحر في تلك الفترة وبلا منازع نستدل من خلاله على أن تلك الهجرات العربية كانت أغلبها هجرات عمانية؛ إذ يعدُّ الملاح العماني أبو عبيدة عبد الله بن القاسم من أوائل التجار العمانيين الذين عملوا بالتجارة ونشر الإسلام، وكانت له بصمات شاهدة إلى اليوم على عمق تلك العلاقة الحضارية مع الضفة الشرقية للمحيط الهندي، كما أن الداعية والعالم الإباضي النظر بن ميمون التاجر المعروف كان له دور بارز في نشر الإسلام في تلك البقاع، حتى قيل: "إن معظم ملاحي العرب الكبار هم أزديون من عمان"، وسجل الشعر وهو "ديوان العرب" بيتا يتأكد من خلاله رسوخ قدم الأزد في الملاحة تميزا عن غيرهم من العرب، وكان اللبان والتمور والليمون أهم الصادرات العمانية إلى الشرق، فيما كانت التوابل والحرير والذهب أبرز ما استوردوه من الشرق، وبذلك فقد حمل العمانيون التجارة في كفة والدعوة إلى الله في كفة أخرى، وما تسيير سفن عمانية شراعية في العصر الحديث من موانئ عمان إلى موانئ الصين وجنوب شرقي آسيا والهند كسفينتي صحار 1986م وجوهرة مسقط عام 2010م، إلا تخليدا لأحداث لها مكانة خاصة في نفوس العمانيين تعيد لهم أمجاد أجدادهم، وحضارة أسلافهم، وها هو قائد عمان المفدى وابنها البار حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد يعيد العماني لمجده التليد من خلال أوامره السامية بتجهيز تلك الرحلتين لإعادة التواصل الحضاري من جديد بين العمانيين وشعوب تلك البقاع.
ويتطرق الباحثان في هذا الورقة إلى الدور الريادي للعمانيين في نشر الحضارة الإسلامية في منطقة جنوب شرق آسيا التي تشمل: شبه جزيرة الملايو، والأرخبيل الأندونيسي، وأرخبيل الفلبين، وشبه جزيرة الهند الصينية، مفندين المؤثرات العمانية على تلك المنطقة والعوامل التي أسهمت في ازدهر العلاقات العمانية مع مسلمي جنوب شرق آسيا، معتَمِدَينِ على المنهج الوصفي مع إعطاء المنهج التحليلي عمقا أكثر في جملة من القضايا التاريخية ذات الصلة بالموضوع.
ولقد اختار الباحثان هذا الموضوع لأنه يشكل معنى من معاني الإسلام ومغزى من مغازي الوطنية، وعلامة فارقة من علامات التسامح لدى العمانيين، وسلوكا حضاريا رفيعا في العلاقات الدولية والتعاون بين الأمم والشعوب والحضارات، كما يضيف مبحثا جديدا للمكتبة الإسلامية، ويسد ثغرة من ثغرات التأريخ العماني الذي هو بحاجة ماسة إلى نفض الغبار عنه، وتقديمه للأمة والعالم ليُحتذى به فهو حري بتعريف الآخرين عنه، كما تعد هذه الدراسة من الدراسات القلائل التي تحدثت عن الأدوار الحضارية للعمانيين في منطقة جنوب شرق آسيا إن لم تكن الوحيدة وذلك ربما لقلة المؤثرات العمانية على هذه المنطقة الصعبة في طبيعة سطحها من وجهة نظر الكثيرين الذين لم يتعمقوا في دراسة المؤثرات العمانية على منطقة جنوب شرق آسيا، بالمقارنة مع مؤثرات العمانيين الحضارية على الصين والهند وشرق إفريقيا.
وقد أخذت الدراسة بعنصر التحليل التاريخي للوقائع التاريخية والحضارية التي ربطت عمان بهذه المنطقة.
ـ الإطار الزماني والمكاني والفكري للدراسة:
أولا ـ "الإطار الزماني":
تناقش هذه الورقة فترة تاريخية زاهرة من تواريخ الأمجاد البحرية الحضارية لعمان في تاريخها الإسلامي، ابتداء من القرن الهجري الأول إلى القرن الرابع ( 7 – 11)م، وذلك بسبب ازدهار الأسطول العماني في القرون الإسلامية الأولى، حيث عظمت قوته، وتوسعت نشاطاته؛ وذلك لوجود دولة مركزية قوية تمتد حدودها من وسط الخليج العربي إلى سقطرى على مدخل خليج عدن، متمثلة في دولة آل الجلندى ثم الإمامة الإباضية الأولى والإمامة الإباضية الثانية ودولة بني سامة بن لؤي.
ولكن وبعد جملة أحداث شهدتها العلاقات العمانية العباسية في عهد الدولة البويهية وتدمير الأسطول العماني الراسي بميناء صحار بشكل كامل عام 355هـ/965م وإغراق معظم سفنه، وقعت الدولة العمانية تحت سلطة بني بويه؛ بالإضافة الى الصراعات الداخلية التي نشبت بين العمانيين أنفسهم، الأمر الذي أدى إلى ضعف حركة التجارة البحرية العمانية وهو ما انعكس سلبا على التأثير الحضاري العماني في سواحل المحيط الهندي ومن ضمنها منطقة جنوب شرق آسيا.
ثانيا ـ "الإطار المكاني":
أما الإطار المكاني لهذه الدراسة فهو يشمل منطقة مهمة من مناطق العالم الإسلامي التي يوجد بها حوالي ثلث مسلمي العالم، ألا وهي منطقة جنوب شرق آسيا والتي تقع بين حضارتين عريقتين؛ الحضارة الهندية غربا، والحضارة الصينية شرقا، مما أكسبها قدرة كبيرة على التأقلم مع ثقافات الوافدين إليها، كما تضم هذه المنطقة مجموعة كبيرة من المناطق المتنوعة في أشكال السطح، ويعمد هاريسون الى تقسيمها إلى مجموعتين واسعتين: الأولى: الأراضي الأصلية لآسيا الجنوبية الشرقية أو شبه جزيرة الهند الصينية التي تشتمل على بلاد بورما وسيام والهند الصينية والملايو، والثانية: جزر آسيا الجنوبية الشرقية، أو أرخبيل الملايو الذي يمتد من سومطرة نحو الشرق وإلى الشمال الشرقي نحو الفلبين، كما يذكر تشيك بأن مصطلح "جنوب شرق آسيا" يطلق على المنطقة المحصورة بين جنوب الصين وجنوبها الغربي وشرق الهند، حيث تبلغ مساحتها كلها أكثر من مليون ونصف مليون ميل مربع، وحاليا تتكون منطقة جنوب شرق آسيا من الأقطار الآتية: (ميانمار "بورما" – تايلاند – كمبوديا – فيتنام – لاوس – ماليزيا – سنغافورة – بروناي – إندونيسيا – الفلبين).
وفي الإطار الفكري فإن الورقة تبحث مدرسة مهمة من مدارس الفكر الإسلامي، والتي كان لها شأن كبير في انتشار الإسلام وحضارته في أرجاء المعمورة، إنها المدرسة الإباضية التي كانت توأما لعمان الإسلامية، فالفكر الإباضي كان فكرا إسلاميا خالصا ومجددا وحاملا للمنهجية الدعوية التي أمر القرآن بها حينما قال سبحانه: "كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ..." (آل عمران ـ 110)، والدعوة الى الله هي "كل جهد يبذل من أجل نشر الدين والتمسك بمبادئه وقيمه وأخلاقه السمحة ابتغاء مرضاة الله".
فالعمانيون ومنذ دخولهم الإسلام كانوا دعاة له، إذ شاركوا في حروب الردة، وفي الفتوحات الإسلامية في الشام ومصر والبحر المتوسط وشمال إفريقا بل ووصلوا إلى الأندلس، إذ يورد الواقدي في فتوح البلدان " في عهد الأمير عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) قدم مع الأمير أبو عبيدة عامر بن الجراح (رضي الله عنه)، من المسلمين من أهل الحجاز واليمن وحضرموت وساحل عمان والطائف وما حول مكة سبعة وثلاثين ألف فارس من الشجعان"، كما كان لهم بعد ظهور مدرستهم الفكرية الإباضية دورا حاسما في نشر الإسلام بمملكة غانا وفي الغرب الإفريقي، بينما كان الشرق الإفريقي منطقة نفوذ كبرى لهم، وتغلغوا الى أعماق إفريقيا وأدغالها فكانوا للخير فاتحين، وللإسلام ناشرين، كما أن دورهم في نشر الإسلام وحضارته في سواحل المحيط الهندي وجزائره واضحا ومسلما به، بعد أن كانوا هم سادة أعالي البحار والمحيطات، فالهند والصين وجنوب شرق آسيا سعدت بتواصل العمانيين وتقبلوا الدعاة الإباضية الحاملين للتجارة على طول سواحل تلك المناطق الشاسعة، كما أن عُمان باعتبارها مقر "إمامة الظهور" في الخليج العربي أصبحت حجر الزاوية في البناء السياسي والثقافي للكيان الإباضي وأصبحت كذلك مركزا للدعوة الإباضية وانتشارها خارج الخليج العربي، حيث سارت العلاقات الخارجية للإباضية في الخليج العربي مع جيرانهم سواء في مصر وشرق وشمال افريقيا وشرق آسيا سارت هذه العلاقات في القرنين "3 و4" الهجريين في خط متوازن مع نشاط تجاري ودعوى كبير.
.. للحديث بقية في الاسبوع القادم.