لعل طرحنا لهذا التساؤل، في إطار الحديث عن مهرجان صلالة السياحي، ينطلق من القيمة المضافة التي ستقدمها التنافسية المؤسسية للخريف والمؤشرات الاقتصادية والسياحية والخدمية والأمنية والعوائد والأرباح الناتجة عنها على الصعيد الوطني، إذ تضع التنافسية المؤسسات أمام تحول جديد في قراءة طبيعة الدور القادم لها، وما يستدعيه منها من مراجعات في أنظمة عملها، ومنهجيات أدائها، وأساليبها في التعامل مع المستجدات، ومنطلقاتها في إدارة الأحداث والمتغيرات المجتمعية، ويقيس ما تمتلكه من جاهزية الاستجابة لطموحات الوطن والمواطن والمستفيدين من الخدمات المؤسسية، مما يعني أن مدخل التنافسية يستند على موجهات واضحة، ودراسات مستفيضة، وقراءات مستنيرة، ورؤى استقرائية للواقع الوطني، والتوجهات المستقبلية للدولة نحو مهرجان صلالة، والموقع الذي تريد أن يتبوأه في خطط التنمية واستراتيجيات التنفيذ، مراعية في ذلك الاستفادة من كل مراحل التطور التي مر بها، والجهود المبذولة من مختلف القطاعات في هذا الجانب، مع تقييم لمؤشرات العمل الحالية، ومستوى سرعة الإنجاز الوطني العام فيها، مسترشدة بالتوجهات الدولية ونتائج التقييم ومعايير التنافسية السياحية العالمية، وبالتالي كيف يمكن جعل مهرجان صلالة أنموذج عملي لتحقيق التنافسية المؤسسية القائمة على الوصول بالمنجز المؤسسي المتنوع إلى حد التزامه المعايير، وقدرته على وضع المؤسسات في عملية حراك تنموي مثري، وتفاعل داخلي وخارجي يبرز طبيعة الدور الذي يمكن أن تقدمه في هذا الشأن، مستفيدة من كل البدائل والأجندة المطروحة على الساحة السياحية، والتي يمكن خلالها تعزيز الشراكة الوطنية المؤطرة بالمعايير، والمؤكدة بالتقييم المستمر، وفق أدوات مبتكرة وآليات تعزز محورية العمل واستدامة المنتج وارتكازه على رؤية التميز التي تنقل المؤسسة إلى التكيف مع مقتضيات الواقع الجديد المغاير بكل مناخاته وأرضياته وتحدياته ومتطلباته القريب من ثقة المستفيدين وتوقعاتهم.
على أنّ ما تقدمه مؤسسات الدولة في ظل اختصاصاتها ومهامها، من عمليات تشخيص واستطلاع رأي، وقياس لجودة الخدمة وانتشارها وتوفرها ووفرتها، ووصولها إلى المستهلك أو المستفيد منها، والمرونة والشفافية في الاجراءات، وجاهزية مراكز الاتصال، ينبغي أن يتم وفق برنامج وطني منظم وآليات مقننه، ومتابعة دقيقة وتحليل نوعي للمؤشرات الايجابية المتحققة من جهود الفترة السابقة، أو مبادرات وخطط المؤسسات الأخرى والأفراد، يظهر حقيقة ما توصلت اليه في الواقع على شكل تقارير أداء يطلع عليها الجميع، ليقوم الاعلام بدوره في إبرازها للمجتمع بالتحليل والاستيضاح والنقد والتطوير والنشر الفوري لنتائج الأداء ونواتجه بكل تفصيلاته، فإنها بحاجة أيضا إلى مرحلة التأمل والحدس بالمستقبل الذي يبرز فيه جانب التنافسية، وتظهر فيه محدداتها لكونها تحمل فعلا مؤسسيا إيجابيا يفوق التوقعات، فإن بلوغ مؤسساتنا هذه المرحلة من العمل يستدعي مزيد من الوعي بمفهوم التنافسية ذاتها والغاية منها ودور الفرد فيها، بما يمنحها فرص زيادة رصيدها من الدعم المجتمعي والرضا الشعبي، وبالتالي فهي تنافسية قائمة على مضامين علمية وأطر ممنهجة، ونماذج عمل تتقاسم المؤسسات جميعها فرص التكامل فيها، تتجاوز جانب السطحيات والنظرة السلطوية الضيقة في الاستحواذ على نصيب الأسد، أو تفسير الأمور من باب التدخل أو التداخل في الاختصاصات، وهي منافسة مشروطه مضبوطة، تتكامل فيها الجهود وتتناغم في التوجهات، وتتفاعل فيها أطر العمل وتتقاسم خلالها المؤسسات مسؤولياتها، لتبرز بشكل أكثر كفاءة وأعمق أثرا وأقوى انتاجا وأعظم ارتباطا بالواقع، والتزاما بالوفاء بمتطلبات الخريف،
إن طرحنا لهذا المفهوم يبرز لنا في قادم الوقت تحولا في طريقة إدارة مهرجان صلالة السياحي وآليات توزيع الحقائب التنفيذية على المؤسسات، فلا يكون هناك مجال لمتفرج أو منتظر من يقدم له الجهد، بل على كل المؤسسات أن يكون لها في أجندة العمل زاوية عطاء وفرصة ابتكار ونافذة لخدمة المواطن والسائح، وموقع يمنحها فرص قراءة الخريف وما يرتبط به من أنشطة سياحية وخدمية ولوجستية مختلفة، بحيث يضمن هذه المنافسة تحقيق جملة من الأبعاد الوطنية والغايات التي يسعى المهرجان لتحقيقها، ويقيس مستوى الجدية والجاهزية التي توليها المؤسسات لهذا الجانب، ليتم التقييم وفق أطر واضحة وأولويات مقننة، تختلف باختلاف الظروف والمستجدات، إن تحقيق هذا التوجه بالرغم من حاجته إلى مزيد من التوافق والتناغم والجهد، إلا أنه سيقدم صورة مكبرة لواقع العمل المؤسسي، ويبرز مفهوم الشراكة في صورة أكثر عمقا وفاعلية، ويستشرف في المقابل منهج إدارة الأولويات القادمة، ويخلق فرصا أكبر للخطط الاستراتيجية وإدارة خطط الطوارئ، ويقدم فرصا تسويقية واستثمارية وتشغيلية تضاف إلى قائمة الانجازات الوطنية الأخرى، على أن المواطن بحاجه لأن يقرأ مؤشرات عمل واضحة ومنتج وطني متحقق من الخريف، ويتلقى إجابة شافية وكافية ومقنعة للكثير من التساؤلات المقدمة حول العوائد الاقتصادية والاستثمارية والمشروعات السياحية والخدمية، ومدى وجودها في واقع المهرجان، بحيث يقرأ في الاحصائيات التي يقدمها المركز الوطني للإحصاء والمعلومات، دلالات يستشرف بها مستقبل المهرجان نفسه، والخدمات المقدمة للمواطن والزائر والسائح، فماذا تعني الزيادة المضطرة في عدد الزوار للخريف، وكيف ستسهم هذه الزيادة في توليد فرص واستراتيجيات عمل قادمة، وما علاقة ذلك بنوعية وطبيعة الخدمات المقدمة وطريقة انتشارها في ولايات محافظة ظفار، هذه التساؤلات والأطروحات، تضع الجميع أمام استراتيجية وطنبة محددة باطار عمل، ومنطلقات أداء وتشريعات ولوائح، وجهود وانجازات، فإن التنافسية تبرز اليوم الحاجة إلى وجود موجهات ونماذج عمل وآليات تقييم ومحددات لضبط كل العوامل المتداخلة والفاعلة، وتقنين أثرها وحسن توظيف امكانياتها ومواردها وتوجيه مسارها بشكل يلمس فيه المواطن عوائد الخريف على السياحة والاقتصاد والخدمات والتشغيل وسلوك المواطن نفسه.

د. رجب بن علي العويسي
[email protected]