تجتمع العوامل الحقيقية لريادة القطاع السياحي في بلادنا، وتتكامل مقوماته بما يحوله إلى صناعة حقيقية تحقق الأهداف والخطط نحو النجاح في التنويع الاقتصادي وتنويع مصادر الدخل، سواء لجهة الموقع الجغرافي حيث تعد السلطنة الوسيط المثالي كبوابة بين شرق العالم وغربه، كما أنها تمتلك تاريخًا تليدًا وحضارة قديمة كانت وما زالت تتواصل مع مراكز حضارية أخرى، وذلك لما حبا الله عُمان من شواطئ جعلت العماني قديمًا وحديثًا يتفوق في ارتياد البحار من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، أو لجهة المواقع الأثرية الشاهدة على عظمة هذا التاريخ، فضلًا عن تميزها بسياحة بيئية تمتلك تنوعًا حيويًّا، تختلف روعته من السهل إلى الجبل والنجد والساحل، بالإضافة إلى التباين الملحوظ في مناخها شمالًا وجنوبًا، حيث تمتلك طوال العام أماكن تعبِّر عن روح الوقت؛ فخريف صلالة وشتاء مسقط وصيف الجبل الأخضر لدلالات كبرى لما تمتلكه البلاد من تنوع مناخي يستقطب العالم، ويوفر شمسًا ساطعة دافئة في الشتاء بالبوادي والحواضر، ونسائم عذبة خالية من الرطوبة مع حرارة معتدلة صيفًا في الجبل الأخضر، مع الرياح الموسمية ورذاذ المطر والغيوم والنسيم المنعش في موسم الخريف بمحافظة ظفار، إضافة إلى ما تكتنز به البوادي والمناطق الساحلية من مقومات الجذب السياحي لتنظيم رحلات السفاري الصحراوية، وممارسة الرياضات المائية بالشواطئ الممتدة النظيفة، ويضاف إلى ذلك كله تنوع الموروث الشعبي في الفنون والصناعات اليدوية التقليدية، أو لجهة الأمن والاستقرار والتسامح الذي تتميز به بلادنا حيث يجد السائح ضالته، وما يربط أبناءها من خصال حميدة من كرم وترحاب بالزائر، وقلب مفتوح لكل من يطرق باب بلدهم، سائحًا كان أو زائرًا، فالسلطنة أصبحت قبلة الباحثين عن الأمان في عالم يموج بالصراعات.
إن هذه المقومات مجتمعة تمثل ثقلًا حقيقيًّا، وتتطلب بنية أساسية راسخة وقادرة على مواكبة النشاط السياحي وتلبية متطلباته، فاستغلال هذه المقومات والظروف والفرص المتاحة مطلوبة بصورة ملحة، والعمل على تطوير مواقع التجمع السياحي سيمكِّن السلطنة من تنويع وتقوية المنتجات المعروضة ودعم مهنية قطاع السياحة وعرض وجهة سياحية متكاملة جاذبة ومتميزة وتوثيق الارتباط بين الزائر والوجهة السياحية، وتوثيق الارتباط مع المستثمر.
والتوجه الذي بدأت تشتغل عليه وزارة السياحة نحو تحريك القطاع السياحي من حيث رفده بالمتطلبات اللازمة والتي يراها السائح ضرورية يمثل بداية جادة للانطلاق نحو صناعة السياحة نتمنى لها كل التوفيق والنجاح، حيث من المنتظر أن يشهد العام الجاري والعام القادم إطلاق حوالي 17 محطة سياحية متكاملة تابعة للوزارة تضم منشآت خدمية وفندقية وسياحية، تقدم خدماتها لمستخدمي الطرق البرية وفق المعايير العالمية والاشتراطات التي حددتها الوزارة. وستتوزع هذه المحطات السياحية على محافظات السلطنة؛ أي تغطية الجغرافيا العمانية، وهو ما سيشجع حتمًا السائح للتنقل من محافظة إلى أخرى، حيث ستتوافر له أماكن الإيواء والترفيه أثناء عملية التنقل، أو حين يقصد المحافظة ذاتها لأجل السياحة.
إن السياحة الناجحة هي نتيجة طبيعية لحسن المزاوجة بين ما حباه الله للوطن من محاسن طبيعية، وبين حسن التخطيط لتسويق تلك المحاسن؛ أي التعاون بين ما هو طبيعي وما هو صناعي باعتبار أن السياحة العالمية صناعة كبرى تدور على ساحتها منافسات حامية الوطيس تكون الغلبة فيها دومًا لمن يحسن عرض ما لديه من واقع ومن أفكار للجذب السياحي. وما نتمناه ونأمله، وندعو المولى أن يجعل التوفيق والنجاح حليفين للاستراتيجية السياحية والخطط والأهداف الموضوعة لجعل القطاع السياحي في بلادنا قطاعًا منتجًا ومصدرًا كبيرًا من مصادر الدخل.