الكويت ـ أنور الجاسم
صدر كتاب عن "منشورات مركز المخطوطات والتراث والوثائق بعنوان " طبعات السفن والقرصنة عليها في تاريخ الكويت" للدكتور محمد ابراهيم الشيباني. ويتناول فيه روايات العمل البحر من رجالات الكويت سواء ممن ماكتب أو ذكر شفاهه عن غرق السفن الكويتية وطبعاتها وكيف غرقت وعن شهادات بعض من نجا منهم ليروي لنا بعض التفاصيل عن تلك الحوادث وما جر ذلك من أحزان على البيوت الكويتية وذهاب راعي البيت والكادود والخسائر التي أعقبت فقدهم، حيث حفل تاريخ الكويت بجملة من مظاهر الألم والحزن ومصائب الحياة وصعوبات العيش نتجت عن قسوة الحياة التي اضطرت أهلها إلى الغوص للصيد أو البحث عن اللؤلؤ أو إلى السفر البعيد. وهم في كل هذه الأحوال تعرضوا لزيادة في المخاطر ومظاهر المعاناة نتجت عن الأمراض التي انتقلت إليهم عن طريق القادمين إليها، سواء كانوا كويتيين وغير كويتيين، وعن غرق الكثير من السفن الكويتية في البحار والمحيطات والسواحل الأفريقية والغربية وغيرها وكانت تسمى في مفردات الكويت "الطبعات" وكانت الطبعة تعني وصول خبر سوء يعني الخسارة في الرجال والأموال والأمانات، فكم هي السفن الكويتية التي غرقت في هذه البحار الفسيحة الكبيرة وراح ضحيتها رجالات الكويت العظام الذين كانوا يضحون في سبيل لقمة العيش وعزة النفس والدين وبالغالي والنفيس على أن يمدوا أيديهم لأحد كائناً من كان فقد عملوا في كل مهنة وحرفة، وعملوا في البناء وتشييد المعمار وركبوا البحر وتحملوا أهواله ومصائبه التي لا تنتهي سواء في الغوص لاستخراج اللؤلؤ أو في الأسفار إلى الدول البعيدة مثل الهند وسواحل إفريقية وغيرها أو تحملوا مشاق الصحراء والبراري وقلة المطر والكلأ أو في القرى حيث الاقتصاد في كل شيء الماء والمخزون منه وغير ذلك من الأعمال والمهن التي سطرها كتاب التاريخ في أعمالهم التاريخية وغيرها.
الطبعة والزوبعة والبرصات
هي في لهجة الكويتيين (الغرق) في البحر والمراد بها غرق سفن عدة لهم فيه بسبب عواصفه وزوابعه وأشهر الطبعات كانت في سنة 1288ه / 1871م. في إحدى السنين خرجت ثماني عشر سفينة كويتية من شط العرب باتجاه مياه الخليج العربي، وذلك قبل زوال نجم "الأحيمر" هو نجم تحدث خلاله عواصف ورياح شديدة في عرض البحر، فلما دخلت هذه السفن مياه الخليج العربي اشتدت عليها العواصف والأعاصير وتسببت في هياج البحر مما أدى إلى غرق معظم هذه السفن. لذا نجد أن السفن الكويتية لم تكن من شط العرب إلى مياه الخليج العربي قبل زوال نجم الأحيمر. وقد ثارت زوبعة في أنحاء الكويت فأغرقت نحو ثلاثين سفينة من سفن الغوص بدون أن يقع ضرر في الأنفس وفي إحدى رحلات السفن حدث أن خرجت سفن كويتية من "جوا" في الساحل الغربي للهند باتجاه مسقط، وفي أثناء سيرها في المحيط الهندي صادفتها "البرصات" وهي رياح موسمية تتسبب في هياج البحر نتيجة العواصف والأعاصير، مما ادى إلى غرق هذه السفن في مكان يسمى "غبة حشيش".تؤدي هذه العواصف الشديدة والأعاصير إلى هياج البحر ومن ثم غرق السفن الكويتية، ومن أشهرها "برصات" وهي الرياح الموسمية في المحيط الهندي التي تتسبب في هياجة، وفي غرق عدد كبير من السفن الكويتية على نحو ما حدث في عام 1289هـ (1872م) حتى سمي هذا العام بعام (الطبعة).
السفن والمراكب والكويتية
وتجدر الإشارة أن الكويت اشتهرت في الماضي بصناعة السفن فقد كانت تجلب الأخشاب من الهند وتصنع المسامير محليا لتصنع السفينة بالقرب من ساحل البحر ويقوم بحارون مهرة بصناعة السفينة الواحدة، والواحد منهم يقال له "كلاف" يقوم بهندستها وتركيب أجزائها بدون خريطة ولا مهندس مختص، فمهندس السفينة هو الستاد والستاد أخذ هندسة إنشاء السفن بالوراثة ويشارك عماله في بناء السفن. ولأجزاء السفينة أسماء ومسميات كثيرة فلكل جزء اسم ولكل منعطف او بروز أو انخفاض اسم خاص والسفن التي عرفها الكويتيون وركبوها كثيرة منها ما صنع محليا وباختراع محلي كالبوم ومنها ما نقلت صناعته عن سواحل ومدن ومجاورة أو موانئ طرقها الكويتيون وأعجبهم تصميم بعضها واستخدموها كالبغلة والبتيل والسمبوك وأنواع أخرى هندية وعمانية وإفريقية نقل طرازها وصنع في الكويت، وهنا نذكر أسماء السفن والزوارق التي عرفها الكويتيون واستخدموها البغلة، دكية، تكريري، بدن، البوم، السمبوك، الشوعي، الجالبوت، البلم، البتيل، البقارة، كوتية، زاروك، روجية ،الكيت، الماشوه، الهوري، التشالة، اللنج، بعض هذه السفن تتخذ للأسفار وبعضها الكتاب يعج برواية الشهود والوثائق والصور عن الكثير من الطبعات وهجمات القرصنة كما يحتوي الكتاب على نص قانون الغواصين في الكويت الذي صدر عام 1940 مع شرح لمفرداته والتعليق على بعض مواده وتاريخ صناعة السفن الخشبية في الكويت غاصتها بحارتها.