[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/fayzrasheed.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. فايز رشيد[/author]
”للأسف لم نقرأ مشروع برنارد لوبس في عام 1978 لتفتيت الوطن العربي لـ 42 دويلة متصارعة إثنيا وطائفيا ومذهبيا. لقد وصف بول ولفوفيتز مساعد وزير الدفاع الأميركي الأسبق, لويس قائلاً: "لقد تمكن برنارد في شكل باهر من وضع علاقات وقضايا الشرق الأوسط في سياقها الأوسع, وبفكر موضوعي وأصيل ومستقل دوما.”
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تختلف تعريفات السياسة وفقا للموقع الذي يحتله السياسي, فهي بالنسبة للبعض فن إدارة شؤون الدولة الداخلية والخارجية, وتُعرف إجرائيا حسب هارولد لاسويل, بأنها دراسة السلطة,التي تحدد من يحصل على المصادر المحدودة متى وكيف, أي دراسة تقسيم الموارد في المجتمع عن طريق السلطة, هذا وفقا لديفيد إتسون., لقد عرفها الشيوعيون بأنها دراسة العلاقات بين الطبقات, وعرفها مدعي الواقعية مثل غورباتشوف بأنها فن الممكن ,أي دراسة وتغيير الواقع السياسي موضوعيا! لكن التعريف الأخير هو خضوع للواقع السياسي وعدم العمل لتغييره, بناء على حسابات القوة والمصلحة. السياسة أيضا هي اقتصاد مكثف, لذلك فإن السياسة تفرض ذاتها على مناحي الحياة المختلفة .. بالتالي, رغم كل الاجتهادات فإن السياسة هي علم معرفي متحرك, وفقا للهدف الذي يسعى إليه السياسي, ففي الحالة الفلسطينية هي صناعة ما يبدو أنه مستحيل التحقيق, وفي الترجمة الحرفية للفلسطيني تعني: تحرير كامل الأرض الفلسطينية, وليست سياسة على الإطلاق ,تلك التي تقبل بما يجود به عليها العدو الصهيوني.
إن اتفقنا أن السياسة علم, فإن ذلك يقتضي, إتقان هذا العلم على قاعدة عقائدية مستندة إلى مستوى متقدم من المعرفة الإنسانية, بكل ما يحيط بهذا العلم ومتطلبات إتقانه, إن في التجارب الإنسانية (وبخاصة الشبيهة للهدف الذي يسعى إليه السياسي), أو الأخذ بمبدأ القياس, ولكن على ظروف الواقع الميداني, وما يتطلبه تحقيق الهدف من إتقان موضوعي لتحليل الحدث, وفقا لتاريخه وزمنه وسياقه الموضوعي, ومعرفة ما كتب عنه, والوصول إلى صدامه أو توافقه مع الهدف الذاتي في مجابهة العدو, بحيث يكون الرأي ليس في خدمة الهدف فحسب, بل يعطي للمواجهة حقوقها ومتطلباتها في المعركة السياسية, التي إما أن تسير طردا مع الهدف أو تتعاكس مع تحقيقه, الأمر الذي يعني إما النجاح أو الفشل المحتم, إن في الاستناد على القدرة في تحقيق ما يوائم الهدف أو عرقلة تحقيقه. بهذا المنظار ينظر كاتب هذه السطور إلى تعريف السياسة بكل تواضع.
ما سبق, شكل مقدمة لا بد منها للتالي من السطور: العقلية العربية للأسف تسير في بعض جوانبها (تنجرْ) وراء الدعايات الإعلامية وما يذاع في وسائل الإعلام. صدق كثيرون منا مسوغات العدوان على العراق, وكانت كلها أكاذيب مختلقة. صدق بعضنا مسوغات العدوان على سوريا من خلال أدوات محلية كثيرة من أجل تحقيق الديموقراطية؟ جاءت أحداث الربيع العربي, التي لا نشك في وطنيتها وعفويتها, لكنها صودرت أميركيا ,وجرى تحوير أحدائها في غير الأهداف التي سعت إليها. أيد بعضنا أحداث ليبيا وإعدام القذافي بطريقة أقل ما يقال فيها, إنها طريقة همجية, ماذا كانت الحصيلة: احتمال تقسيم ليبيا, والعراق, وسوريا وغيرها من الأقطار العربية.
للأسف لم نقرأ مشروع برنارد لوبس في عام 1978 لتفتيت الوطن العربي لـ 42 دويلة متصارعة إثنيا وطائفيا ومذهبيا. لقد وصف بول ولفوفيتز مساعد وزير الدفاع الأميركي الأسبق, لويس قائلاً: "لقد تمكن برنارد في شكل باهر من وضع علاقات وقضايا الشرق الأوسط في سياقها الأوسع, وبفكر موضوعي وأصيل ومستقل دوما. لقد علمنا برنارد كيف نفهم التاريخ المعقد والمهم للشرق الأوسط, وكيف نستعمله لتحديد خطوتنا التالية لبناء عالم أفضل لأجيال عديدة". الدليل على صحة اعتماد الدوائر الأميركية الغربية على ما خططه لويس هو: تصويت مجلس الشيوخ الأميركي في 29 سبتمبر/أيلول 2007 على انسحاب الولايات المتحدة من العراق, شريطة تقسيمه إلى ثلاث دويلات: شيعية في الجنوب سنية في الوسط، وكردية في الشمال. هذا يتواءم تماما مع تصور لويس في خطته للعراق. الدليل الثاني هو: غزو العراق الذي عمل لويس من أجل تحقيقه, حتى إن صحيفة "الصنداي تلغراف" البريطانية في 15 فبراير 2004 وصفته "بأنه الرجل الذي كان وراء غزو العراق". الدليل الثالث: على التفاعل الغربي مع مخطط لويس هو: استهداف سوريا وما أخذ يتردد في الأنباء, وضمن مخطط دعائي إعلامي كبير, بإشراف تلك الدوائر"من أن الصراع الدائر في سوريا هو صراع طائفي". بالتالي فإن المحاولات جارية على قدم وساق لتعميم هذا المفهوم واعتباره السمة الرئيسية للصراع, هذا أولا, وثانيا تقسيم سوريا وفقا لما يجري تحقيقه في العراق, إلى أربع دويلات طائفية وإثنية: دويلة علوية على الساحل, دويلتين سنيتين في حلب ودمشق, ودويلة درزية في جبل العرب. بهذا يمكن القضاء على وحدة سوريا, ومن ثم التأثير على لبنان والأردن على طريق تقسيمهما, وبذلك تنزاح عقبات حقيقية أمام إسرائيل.
لم نقرأ كما يجب عن مشروع الشرق الأوسط الجديد, ولا عن سياسة" الفوضى الخلاقة" في المنطقة. شوهد الاستراتيجي الصهيوني عقيدة وانتماء برنارد هنري ليفي بسير في المظاهرات الشعبية الليبية, ولم يثر ذلك شيئا في العالم العربي, لتتبين فيما بعد حقيقة المؤامرة التي حُبكت في باريس على ليبيا. لقد كشفت رسائل هيلاري كلينتون,وزير الخارجية الاميركية السابقة, الالكترونية ,اسرار هذا الملف, ونشرته مجلة "الفورين بوليسي" الاميركية قبل عشرة أيام تحت عنوان "لماذا سعى حلف الناتو للإطاحة بالزعيم الليبي", وكذلك مجلة "بوليتيشيسكويه أبزرينييه" الروسية , وإجابتها بالقول: ان الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي قاد الحرب على ليبيا وجند دولا عربية وشخصيات ليبية, وجامعة الدول العربية, ومحطات تلفزة عربية وغربية عملاقة, لتحقيق أهداف كثيرة, منها: الاستيلاء على النفط الليبي, منع توسع نفوذ الزعيم الليبي معمر القذافي في افريقيا, بقاء النفوذ الفرنسي في منطقة شمال افريقيا, تأكيد القوة العسكرية الفرنسية في القارة الافريقية ودول الاتحاد المغاربي العربي, والتمهيد للتدخل في مالي ومنطقة الساحل, وتعزيز تعزيز شعبية الرئيس ساركوزي في داخل فرنسا وفوزه لولاية رئاسية ثانية.منع القذافي من إصدار اصدار عملة افريقية تعتمد على خزين الذهب الليبي وتفكيك ارتباط العملة الأفريقية بالعملة الأوروبية, والفرنك الفرنسي خصيصا.
جملة القول, إن ما يجري من صراعات في داخل الدول العربية أو في العلاقات البينية العربية, جرى التخطيط له منذ سنوات طويلة, وكتب عنه الكثير! الأمر الذي يطرح العديد من التساؤلات: لماذا لا نقرأ ونتابع ما يخطط لدولنا؟ لماذا نقع في فخ الشرك, الذين يريدوننا الوقوع فيه؟ لماذا لا تقوم دولنا العربية بحل خلافاتها دون تدخل من أحد؟ لماذا تتكامل دول كثيرة على صعيد القارات الخمس, بينما دولنا التي تمتلك الكثير من عوامل التكامل تتصارع بدلا من أن تأتلف؟ لعله قصورنا في تحليل الأحداث!.