[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/ahmedsabry.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]احمد صبري[/author]

فرضت ثورة الاتصالات بجميع تقنياتها واقعا جديدا في حياتنا وأصبحت بفعل هذه الواقع هاجسا للحاكم ومساعدا للمحكوم.
فالأول يعمل بكل الوسائل لتفادي شرها بقيود ومحددات قسرية فيما برع الثاني باستخدامها لإيصال صوته إلى العالم.
وطبقا لهذا التوصيف فإن أدوات التغيير وقواعدها الجديدة تبدلت لتغيير الحاكم بفعل ثورة الاتصالات بعدما كانت في المرحلة التي سبقت الربيع العربي تتم بالانقلاب العسكري والبيان رقم واحد.
وهذا التحول من فعل البندقية إلى إرادة الشارع وصناديق الاقتراع وتأثير الصورة والكلمة لم يستكمل مدياته لولا التلفزيون الفضائي الذي نقل ما كان يحدث خلف الستار وفي الشوارع والساحات إلى العالم.
من هذا الإحساس بدور الإعلام وتأثيراته المفترضة بالمتلقي استشعرت الأحزاب والكيانات والائتلافات السياسية، سواء كانت في السلطة أو خارجها بأهمية توظيفه واستخدامه للترويج لبرامجها الانتخابية واستمالة الناخب لمرشحيها.
فبات لكل حزب أو تيار وسيلته الإعلامية لتسويق مرشحيه وصناعة توجهات ناخبيها..
في حين عمد سياسيون ومرشّحون إلى إغراء وسائل إعلامية التي تحظى بنسبة مشاهدة عالية داخل العراق، وأخضعوها لأجنداتهم الخاصة.
وبدا مشهد الإعلام المحلي مأزوما ومربكا للناخب، وتحوّلت البرامج الحوارية والفواصل الإعلانية إلى محاولات لإطاحة الآخرين والتأثير في حظوظهم.
وما أثار الانتباه إلى طريقة تعامل الإعلام إزاء الانتخابات، لأن بعضه تحول من ناقد للفساد والمفسدين إلى مساحات إعلانية تستغل مشاعر الناس وتستغفلهم وتروج لبعضهم مقابل أجور عالية.
فاخترق الوسط الإعلامي بالفساد وشراء الذمم عبر توظيفه لخدمة مرشحين عبر قنوات معظمها غير مستقلة من دون مراعاة القيم المهنية، ناهيك عن الدعاية الفجة والمبالغة في تقديم المرشحين..
وساد المشهد الانتخابي ثلاثة نماذج في تغطية الانتخابات من قبل وسائل الإعلام هي:
الأول وهو الأكثر انتشارا عبر الحملات المباشرة والدعاية لكيان سياسي محدد.
والثاني اعتمد على أسلوب الحملات السلبية، بقيام وسائل الإعلام بتكريس معظم تغطيتها للهجوم على كيان سياسي واحد أو أكثر.
فيما حاول النموذج الثالث تغطية الانتخابات بطريقة متوازنة بالمستوى النوعي الذي ليس لها صلة مباشرة بأي كيان سياسي وهي قليلة جدا.

واستنادا إلى ما تقدم فإن المؤسسات الإعلامية العراقية لم تؤدِّ واجبها المهني في تبصير المواطن وتوعيته وساهمت بتضليله خلال فترة الدعاية الانتخابية.
وبعد احتلال العراق ساد نوع من الانفلات بالمؤسسات الإعلامية وأنتج مساحة للتشهير وليست للتعبير وتحول الإعلام بسبب ذلك إلى إعلام غير موحد وليس إعلام دولة ولا مؤسسات ولا مواطن، بل هو إعلام أحزاب وكتل وجهات افتقرت إلى المهنية في رسالتها الإعلامية.
وأن أغلب المؤسسات الإعلامية العراقية خضعت لتأثيرات الاحتلال السياسي والمحاصصة والاستقطاب الطائفي ناهيك عن التمويل الخارجي.
وأدى القصور في أداء وسائل الإعلام بمهامها إلى تراجع دورها في عملية تبصير المواطن وتوعيته وتوجيهه وبناء المجتمع وتحصينه من فيروسات الطائفية.
وعلى الرغم من أن وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة اتخذت من التغيير شعارا للترويج لمرشحيها وحث الناخبين للتصويت لهم، إلا أن المشهد السياسي كان يتشكل بعيدا عن هذا التوجه باصطفافات طائفية أعادت استنساخ معظم رموز الطبقة السياسية من جديد رغم بعض المتغيرات.