[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/adelsaad.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]عادل سعد[/author]
تتصدر المشهد الاقتصادي الدولي هذه الأيام ظاهرة (الفوائد السلبية) وهو مصطلح يستخدم للتدليل على برنامج هدفه خفض الفوائد المصرفية المخصصة للإيداعات بأمل أن يكون ذلك حافزًا لدفع أصحاب رؤوس الأموال إلى توظيفها في نشاطات استثمارية من أجل أن تدر عليهم فوائد أكثر مما يمكن أن يحصلوا عليها لو أنهم أودعوا تلك الأموال في البنوك, وينسحب هذا الحال على المصارف التي تسعى التي تقوية سقف الائتمان لديها بضمان بنوك مركزية.
لقد لجأ البنك المركزي الأوروبي إلى اعتماد الفوائد السلبية, أي الفوائد المنخفضة من أجل دفع البنوك الأوروبية التي تودع أموالها فيه لتنشيط حركة الإقراض وتوظيف هذه الأموال في أنشطة اقتصادية بإمكانها أن تهيئ فرص عمل أكثر, فضلًا عن المكاسب الأخرى التي يمكن أن تتحقق نتيجة ذلك, غير أن الاستمرار في آليات الفوائد السلبية قد يؤدي إلى تدفق كتلة نقدية كبيرة في سوق التعامل الاقتصادي, الأمر الذي لا بد أن يتسبب بارتفاع معدلات التضخم.
والحال أن لجوء البنك المركزي الأوروبي إلى هذه الخطوة جاء بعد التحسن التدريجي الذي طرأ أخيرا على اقتصادات دول أوروبية كانت إلى وقت قريب تعاني من أزمات اقتصادية تمثلت بإفلاس عدد من البنوك والبيوت المالية نتيجة السياسات غير الحكيمة وما ترتب على ذلك من ارتفاع في نسب البطالة وصرف آلاف العمال من وظائفهم بذريعة إعادة هيكلة التوظيف ليتماشى مع حالة الترشيق الاقتصادي المعتمدة لدى العديد من الدول.
إن الفوائد السلبية واحدة من الإجراءات الضرورية التي تضمن تداول الكتلة النقدية في سوق العمل، وهو ما ينعكس بالضرورة في أكثر من فائدة واحدة غير أن هناك شروطًا ينبغي اعتمادها لتحقيق ذلك في مقدمتها وجود سياسات متوازنة في عمليات العرض والطلب التي تحكم سياسة الإقراض, وأن تأخذ بنظر الاعتبار فرصة ذهاب هذا القرض أو ذاك إلى مجال تشغيلي بفوائد مضمونة, وهناك شرط آخر لا يمكن التفريط به ويتعلق بحجم القرض وكيفية سداده ضمن توقيتات مناسبة لكي لا يتحول الإقراض إلى توريط ينتج عنه عدم القدرة على الإيفاء بتسديده, وهكذا تدخل عملية الإقراض تحت طائلة إعادة جدولة القرض, وبالتالي إضافة فوائد أخرى.
إن ما قام به البنك المركزي الأوروبي قد تلجأ إليه بنوك مركزية أخرى خارج أوروبا من أجل إعادة انسيابية المال بالطرق التي تضمن تجدد استثماره بهدف توالد فرص العمل, لكن الخشية أن يتم اللجوء من قبل بعض المصارف إلى العمل خارج دائرة الرقابة المطلوبة لمعرفة حركة رأس المال, كما أن من شأن ذلك أن يؤدي إلى إضعاف قدرة تلك المصارف على ضمان تأمين وجودها المالي العام خاصة إذا وقعت تحت طائلة مضاربات غير محسوبة.
إن الأوضاع المالية العامة بحاجة بين الحين والآخر لمثل هذه الإجراءات دفعًا للوقوع في نمط معين من الإجراءات البنكية التقليدية, وفي هذا الشأن تظل الحاجة قائمة إلى معارف تستوعب وتفهم ضرورات الفوائد السلبية بالنسبة لمصارف يقوم عملها أصلًا على الاستثمار فحسب, مع ضبط علاقتها بالبنك المركزي في الدولة المعنية لئلا تذهب في إجراءات غير شرعية تغطي تبييض أموال أو الوقوع في نزعة استهلاكية مفتوحة تحت طائلة السخاء الوقتي لسيولة مالية مغرية تغلف هذه القروض, ومن جانب آخر فإن الفوائد السلبية تؤدي بشكل أو بآخر إلى توظيف المالي المضمون في الأنشطة الخدمية, أو العقارات ضمن متوالية من النمو الذي يكفل تقليل ضغوط أزمات الإسكان، الأمر الذي لا بد أن ينعكس عمرانًا تستفيد منه الأغلبية الكبرى من المجتمع.