[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/ahmedsabry.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]احمد صبري[/author]
”إن الذكريات والأحلام التي كانت تراود أبناء العراق أصيبت بخيبة الأمل وشعور بالمرارة؛ لأن تلك الحركة كان يمكن أن تكون بداية مشرقة لمرحلة جديدة تنقل العراق من حال إلى حال، وتحقق للعراقيين آمالهم الذين قدموا من أجلها التضحيات الجسام، وتؤسس قاعدة التوافق السياسي، وتحويل العراق إلى نموذج يحتذى به في المنطقة العربية.”

بعد مرور نحو 59 عاما على حركة 14 تموز التي أطاحت بالملكية في العراق فإن الجدل حولها ما زال مستمرا من فرط ما أحدثته من ارتجاجات على المستويات المحلية والعربية والدولية.
ورغم تباين الآراء حول حركة الضباط العراقيين الذين نفذوا حركة التغيير إلا أن ما جرى في ذلك اليوم التموزي الذي يصادف اليوم كان حدثا وزلزالا هز المنطقة، وكاد أن يدخلها في أتون حروب وصراعات خطيرة.
والذين عاشوا لحظات حركة 14 تموز وما أفرزته من تداعيات على الأوضاع المحلية والعربية والدولية لم يتوقعوا أن تتراجع أهداف تلك الحركة جراء الخلافات التي قطعت حبال الود والتفاهم بين رموزها منذ بداية انطلاقها، وحولت هذا الحلم إلى ما يشبه الكابوس ما زال العراقيون يعانون منه ويدفعون ثمنه.
هذا الحدث الذي عزز مكانة العراق ودوره كمركز استقطاب مؤثر في محيطه العربي والدولي، وأعاد إليه حريته وحقق استقلاله الناجز في فترة النهوض القومي التي كانت سمة تلك المرحلة، وهي من أشد فترات الإثارة في التاريخ العربي، غير أن اختلاف الرؤى بين رموز الحركة والمصالح الشخصية والتدخلات الخارجية أدت جميعها إلى عدم تحقيق أحلام العراقيين برؤية بلادهم مستقرة مزدهرة؛ لأن العواصف كانت أقوى من أن يصمد زعماء تموز أمامها فتحول العراق إلى ساحة للصراعات والخلافات المحلية والإقليمية أدت إلى تعطيل مسيرته نحو البناء، وتعضيد أواصر التوافق بين أبنائه.
وخيمت على العراق أجواء عدم استقرار وفوضى وتصفيات بين المكونات السياسية التي كانت تهيمن على الساحة العراقية في تلك المرحلة، ما أصاب العراق بالشلل والتراجع في مسيرته.
إن الذكريات والأحلام التي كانت تراود أبناء العراق أصيبت بخيبة الأمل وشعور بالمرارة؛ لأن تلك الحركة كان يمكن أن تكون بداية مشرقة لمرحلة جديدة تنقل العراق من حال إلى حال، وتحقق للعراقيين آمالهم الذين قدموا من أجلها التضحيات الجسام، وتؤسس قاعدة التوافق السياسي، وتحويل العراق إلى نموذج يحتذى به في المنطقة العربية.
وعلى الرغم من مرور (59) عاما على ذلك الحدث الذي هز العالم فإن العراق ما زال يقف في نفس المربع، لم يتخلص من تلك التداعيات التي تسببت في تعطيل مسيرة تموز رغم أن بدايتها كانت سياسية وتحولت بعد غزو العراق عام 2003 إلى طائفية.
ويبدو أن العراق سيبقى ينزف من هذه الجروح الغائرة في أعماقه ما لم يتخلص ويتجاوز آثارها، ويتمسك بالمشروع الوطني الرافض للطائفية والعرقية وبثوابت الوطن وإرادته وسيادته واستقلاله الناجز.
وبتقديرنا، إن ما جرى ويجري في العراق هو امتداد لتداعيات إخفاق ثوار تموز في التوافق على برنامج وطني يعزز أسس الشراكة والمصير المشترك، ولم نتفاجأ بالأزمات السياسية بعد احتلال العراق ولغة التهديد والوعيد إلى حد التخوين والإقصاء بين الفرقاء، ما يعكس أن الطبقة السياسية التي تحكم العراق اليوم وفق مبدأ تقاسم السلطات والشراكة في القرار السياسي أخفقت هي الأخرى في ترجمة هذه المفردات إلى الواقع، بفعل حدة وخطورة الاتهامات التي تبادلها المتخاصمون.
فالشراكة بالحكم ينبغي أن تستند إلى الثقة والاعتراف بالآخر، والتخلي عن مصادرة حقوق الآخرين، ووقف الاستهداف والتسقيط السياسي. وهذان الشرطان في أسس الحكم سقطا ولم يجدا لهما مكانا في مسار العملية السياسية، وأفرزت واقعا جديدا قاد العراق إلى العنف والعنف المضاد بفعل الشحن والتحريض الطائفي التي هددت وحدة ومستقبل العراق.