[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/jawadalbashity.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]جواد البشيتي[/author]
”.. لقد أصبح قَوْلًا لا ريب في علميته أنْ يقول بعض الناس إنَّ الزمن "يتوقف" عند( أو على مقربة من) سطح "الثقب الأسود"؛ وهذا "السطح" يسمَّى "أُفْق الحدث". تخيَّل أنَّ "ساعةً (كبيرةً)" وشخصًا شرعا يسقطان معًا سقوطًا حُرًّا من أعالي الفضاء نحو "ثقب أسود"، وأنَّكَ تستطيع رؤيتهما من مكانكَ على سطح الأرض.”

هل يتوقَّف الزمن؟ لماذا يتوقَّف الزمن؟ وما معنى تَوَقُّفه؟
الزمن يتوقَّف؛ وفي المنطق، لا يتوقَّف (أو يِسْكُن) إلَّا المتحرِّك؛ فهذا الجسم سَكَن، أيْ وَقَفَت حركته.
إنَّ الزمن هو شيءٌ يجري، يسير، يتحرَّك؛ ولا حركة بلا سرعة؛ فهذا الجسم يتحرَّك؛ ويتحرَّك بسرعة ما.
إنَّكَ تَنْظُر إلى ساعتك؛ ثمَّ تقول إنَّ هذه الكرة تتحرَّك بسرعة 5 أمتار في الثانية؛ ثمَّ تَنْظُر إلى ساعتكَ، وتقول إنَّ سرعة (جريان) الزمن في ساعة ذاك الشَّخْص الذي يقف على سطح كوكب جاذبيته أشد وأقوى من جاذبية الأرض بعشرات المرَّات هي "عُشْر ثانية في الثانية (الأرضية) الواحدة"؛ وهذا إنَّما يعني أنَّ الزمن هناك يتحرَّك في بطء شديد (نِسْبَةً إلى الزمن الأرضي). وتأكيدًا لهذا البطء، تَجِد أنَّ قَلْب ذاك الشخص ينبض 7 نبضات في الثانية (الأرضية) الواحدة.
الزمن يتحرَّك؛ والمتحرِّك يُسْرِع، أو يُبطئ، في حركته؛ والمتحرِّك يَسْكُن، أيْ يتوقَّف تمامًا عن الحركة.
ولقد أصبح قَوْلًا لا ريب في علميته أنْ يقول بعض الناس إنَّ الزمن "يتوقف" عند( أو على مقربة من) سطح "الثقب الأسود"؛ وهذا "السطح" يسمَّى "أُفْق الحدث".
تخيَّل أنَّ "ساعةً (كبيرةً)" وشخصًا شرعا يسقطان معًا سقوطًا حُرًّا من أعالي الفضاء نحو "ثقب أسود"، وأنَّكَ تستطيع رؤيتهما من مكانكَ على سطح الأرض.
إنَّكَ تراهما يسقطان معًا؛ فإنَّ أحدهما لا يسبق الآخر في سقوطه. وترى أنَّهما يسقطان معًا في سرعةٍ متزايدة. وترى أنَّ سرعة عقرب الدقائق في الساعة تتباطأ؛ وكلَّما اقتربت "الساعة" من سطح "الثقب الأسود" تباطأت حركة عقرب الدقائق.
هذا الشخص، والذي يسقط سقوطًا حُرًّا إلى سطح "الثقب الأسود"، يَنْظُر إلى ساعته، فيَجِد أنَّ وصوله إلى هذا "السطح" قد استغرق (مثلًا) 10 دقائق؛ وسأفْتَرِض أنَّه اجتاز "السطح"، واستمر في سقوطه (في عُمْق "الثقب الأسود") حتى بلغ "مركزه"، أو "نقطته المركزية.. ولقد نَظَرَ إلى ساعته، فوجَد أنَّ مرحلة سقوطه الثانية والأخيرة قد استغرقت (مثلًا) 5 دقائق.
السقوط في مرحلتيه، ومن وجهة نظر هذا الشخص، استغرق 15 دقيقة، أو ما يَعْدِل 1080 نبضة من نبضات قلبه؛ وزاد عُمْره 15 دقيقة فحسب. ولو كان مُدَخِّنًا، لدخَّن، في أثناء سقوطه، سيجارتين اثنتين، أيْ أنَّ سقوطه، في مرحلتيه، استغرق من الزمن ما يَعْدِل زمن تدخين سيجارتين. .
هل تباطأ الزمن؟ هل توقَّف الزمن تمامًا؟
عن هذين السؤالين يجيبنا قائلا: كلَّا، لم يتباطأ، ولم يتوقَّف؛ فالزمن عندي ظلَّ يسير كالمعتاد؛ وكل شيء عندي يستغرق حدوثه الزمن نفسه؛ فالسيجارة كنتُ أُدخِّنها وأنا على سطح الأرض في 7 دقائق؛ وأنا الآن، حيث أسقط سقوطًا حُرًّا إلى سطح "الثقب الأسود"، أُدخِّنها في 7 دقائق.
أمَّا أنتَ (الذي تراقبه من على سطح الأرض) فلا ترى ما يرى؛ إنَّكَ تَنْظُر إلى الساعة التي تسقط معه فتَجِد أنَّ حركة عقرب الدقائق فيها تتباطأ في استمرار، وتَجِد أنَّ الفرق في الزمن بين كلِّ نبضتين متتاليتين من نبضات قلبه يزداد، إذا ما قِسْته بساعتكَ، وتَجِد أنَّ سرعة سقوطه، المُقاسة بما لديكَ من أدوات (ومنها ساعتكَ) وطرائق قياس السرعة، تتباطأ، وتَجِد أنَّ تدخينه السيجارة الأولى قد استغرق أشهرًا (مثلًا) إذا ما قِسْتُه بساعتكَ.
وعند وصوله (في سقوطه الحر) إلى أقرب نقطة إلى سطح "الثقب الأسود"، تَجِد أنَّ الساعة التي معه قد توقَّفت كل عقاربها عن الحركة تمامًا، وتَجِد أنَّ تدخينه الجزء الأخير من سيجارته الثانية لم ينتهِ؛ فمتى ينتهي؟
إنَّه لن ينتهي أبدًا؛ فهذا الذي تراه أنتَ الآن سيظل هو نفسه يُرَى بعد ملايين (أو بلايين) السنين؛ لأنَّ الزمن هناك (أي عند النقطة الأقرب إلى سطح "الثقب الأسود") قد توقَّف (جريانه) تمامًا، من وجهة نظركَ أنتَ، أو نسبةً إليكَ، وإلى ساعتكَ (الأرضية).
وهذا إنَّما يعني، ضِمْنًا، أنَّكَ لن ترى أبدًا هذا الشخص وهو يَدْخُل في عُمْق "الثقب الأسود"، مع أنَّه دَخَل.
في أثناء سقوطه، ترى الزمن عنده يتباطأ في استمرار، وترى سرعة سقوطه تتباطأ في استمرار؛ أمَّا هو، مع ساعته، فتراه كمصباح يَخْفُت ضوؤه في استمرار.
افْتَرِضْ أنَّ هذا الشخص قد قرَّر العودة إلى الأرض وهو على بُعْد أمتارٍ من سطح "الثقب الأسود". إنَّه يستطيع العودة؛ ولقد عاد. رحلته ذهابًا وإيابًا استغرقت (مثلًا) شهرين (من وجهة نظره هو، أو نسبةً إليه، وإلى ساعته). عند بدئه الرحلة كان عُمْره 30 سنة؛ وعند عودته أصبح عُمْره 30 سنة وشهرين. أمَّا كوكب الأرض (مع سكَّانه) فقد مرَّت عليه ملايين السنين (مثلًا).
نَعَم، إنَّ الزمن يتوقَّف؛ لكن بالمعنى النسبي (للتوقُّف) لا بالمعنى المطلق؛ فليس من مراقِب في الكون يرى الزمن وقد توقَّف تمامًا عنده؛ حتى تباطؤ الزمن لديه لا يُدْرِكه، ولا يراه.