[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedaldaamy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"] د. محمد الدعمي[/author]
”.. إذا كان المنظور النفعي (مع التنمية) هو الذي طغى على سواه في نهاية المطاف، فإن السبل التي ينبغي على القيادات الجامعية اعتمادها على طريق خدمة خطط الإنماء والتقدم يمكن أن تؤدي دورًا معيقًا على ما يسمى بـ"الحريات الأكاديمية"، بل وحتى على خطط القبول في الجامعات، ناهيك عن خطط البحث العلمي التي تحظى بتشجيع ورعاية الدولة، بسبب منفعتها.”

دار نقاش "الجامعة والتنمية" دورًا عجيبًا من عاصمة عربية لأخرى بين مؤيد ورافض لفكرة مواشجة المؤسسة الأكاديمية بالتنمية وبين مؤيديها، وبقي هذا الموضوع المهم بين شد وجذب واختلاف وتوافق انعكست آثاره حتى على العنوان أعلاه نفسه: فهناك من فضل هذا العنوان، وهناك من أيد عنوان من نوع "الجامعة والمجتمع"، من بين سواها من العناوين التي تصب في مصب واحد.
وإذا كان المناهضون لفكرة المواشجة بين الاثنين يدعون بأن الفكرة، وبسبب تأييدها من قبل الدولة، إنما تقيد أيادي الجامعة والقيادات الجامعية، أساتذة وإداريين، من خلال الحد من الحريات الأكاديمية، إلا بحدود حاجات التنمية وتوصيات قيادات الدولة المتخصصة، وحسب الحاجات الآنية والمستقبلية المباشرة.
وحيث ذهب آخرون (على نحو يشبه ما ذهب اليه مؤيدو مدرسة الفن للفن، الجمالية) إلى أن استقلالية الجامعة تنبعث من وظيفتها العلمية/التربوية المحض، معملًا لإنتاج "الإنسان المهذب"، أي الــ"جنتلمان"، دون النظر إلى ما سيضطلع به هذا الجنتلمان من دور اجتماعي واقتصادي وثقافي في تنمية المجتمع وتوسيع موارده وتعميق آفاقه المستقبلية.
ومن زاوية أخرى، انتقد هؤلاء الجامعيون دعاة مواشجة الجامعة بالتنمية بصفتها جواز سفر لتدخل الدولة في الشؤون الأكاديمية والحريات الجامعية، على سبيل توجيهها الوجهة النافعة التي تخدم خطط الإنماء القصيرة والطويلة المدى.
وإذا كان المنظور النفعي (مع التنمية) هو الذي طغى على سواه في نهاية المطاف، فإن السبل التي ينبغي على القيادات الجامعية اعتمادها على طريق خدمة خطط الإنماء والتقدم يمكن أن تؤدي دورًا معيقًا على ما يسمى بـ"الحريات الأكاديمية"، بل وحتى على خطط القبول في الجامعات، ناهيك عن خطط البحث العلمي التي تحظى بتشجيع ورعاية الدولة، بسبب منفعتها.
أما في العالم الغربي، فإن هذا الجدل لم يزل متواصلًا الآن، كما هي عليه الحال لدينا، إلا أن الفارق الأساس هو أن منحنيات السلوك الجامعي والبحث الأكاديمي هناك غالبًا ما تستجيب، ليس إلى حاجات الدولة وتوصياتها، وإنما لحاجات السوق ومتطلباتها، بناء على قانون "العرض والطلب" العمياء. وهو قانون يوجه الجامعة بناء على مؤشرات الربح مقارنة بالخسارة. وهنا ينزل البحث العلمي إلى السوق كسلعة أو بضاعة، كسواه من السلع والبضائع التي ترضخ لمعطيات العرض والطلب. وهكذا يعتقد المفكرون الرأسماليون بأن قانون العرض والطلب هو المسؤول عن تقرير الرعاية والانفاق على البرامج الجامعية، ناهيك عن البرامج البحثية الأكاديمية.
وعلى نحو معاكس لذلك، يركز دعاة مواشجة الجامعة بالتنمية على بحث وإيجاد الوسائل التي ترتهن بها مواشجة المؤسسة الأكاديمية بالمجتمع، ومنها خطط قبول الطلبة ومنحنيات البحث العلمي، زيادة على ذلك اعتماد "المكاتب الاستشارية" الجامعية التي تضطلع بمعاونة دوائر الدولة وموظفيها على الأداء الأفضل وعلى الارتقاء بهم لتحقيق الأهداف الوطنية والاجتماعية.