على الرغم من تأكيد قادة الاحتلال الإسرائيلي أن ميزان القوى يصب في صالح كيانهم المحتل، وزاد صبًّا في ظل الأوضاع غير المستقرة جراء مؤامرة ما سمي "الربيع العربي"، فإن عقلية هؤلاء المحتلين لم ولن تتغير لا سيما تجاه ما يخص الدم العربي بصورة عامة والدم الفلسطيني بصورة خاصة، بل إنهم يرون في ما يجري من طوفان الفوضى والإرهاب الذي يجتاح المنطقة ويهدد أمنها واستقرارها حالة استثنائية ربما لن تتكرر، وبالتالي لا بد من اغتنامها في إزهاق المزيد من الأرواح وسفك المزيد من الدماء والاستمرار في نهب ما تبقى من الحق الفلسطيني.
وبينما تواصل أبواق الغرب المدَّعي حماية حقوق الإنسان ونشر الديمقراطية والحرية الترويج لذلك وصم آذان المنطقة، يستمر مسلسل الإهانات والقتل والظلم ومختلف جرائم الحرب ضد الشعب الفلسطيني، في مشهد يؤكد وجود تكامل واضح وتنسيق على أعلى مستوى بين كيان الاحتلال الإسرائيلي والغرب الداعم له، فإذا كان الأول يمارس إرهابه صباح مساء بحق الشعب الفلسطيني ويصادر حرياته وحقوقه وينهب أراضيه ويحاصره ويجوعه سعيًا للخلاص منه، فإن الثاني (أي الغرب) مستمر في دعم الإرهاب وعصاباته، سواء في فلسطين المحتلة تحت شعار "حق الدفاع عن النفس" و"أمن "إسرائيل" خط أحمر" أو في دول المنطقة تحت شعار "حماية حقوق الإنسان" و"نشر الحرية والديمقراطية" و"مساعدة الشعوب لتحقيق تطلعاتها"، وحاصل ناتج هذه الشعارات هو القتل والتدمير والتهجير والتفتيت والتقسيم.
إن تلك المرتكزات للمشهد الكامل المتكامل بين كيان الاحتلال والغرب الداعم له، أكد عليها أمس المتطرف بنيامين نتنياهو رئيس حكومة الاحتلال بقوله "سياستنا واضحة وضوح الشمس، من ينوِ قتلك قم واقتله". ولا ريب أن المحتلين الإسرائيليين بهذا القول إنما يريدون استباحة المزيد من الدماء الفلسطينية والعربية، واستصدار صك تشريع مفتوح من أنفسهم يعطيهم الحق في ارتكاب عمليات اغتيال أو تدمير أو تهجير ليس بمجرد الشك فحسب، بل بزعم أن نية القتل موجودة لدى جميع العرب، وبالتالي وفق هذا الصك يحق لكيان الاحتلال استخدام كافة وسائل الإجرام لإلحاق الأذى بكل مواطن فلسطيني أو عربي.
ووفق هذا التقدير، فإن جميع سكان قطاع غزة المحاصرين هم في نظر كيان الاحتلال الإسرائيلي أهداف مشروعة، بحجة أن لديهم "النية" لقتل المحتلين الإسرائيليين، ولذلك فإن العملية الإرهابية التي نفذها الليلة قبل الماضية الطيران الحربي التابع لكيان الاحتلال ضد قطاع غزة والتي استشهد وأصيب فيها ثلاثة فلسطينيين، تأتي في السياق ذاته، ويتضح ذلك في ما قاله المتطرف نتنياهو مؤكدًا حصول العملية الإرهابية "لقد قام "الجيش الإسرائيلي" وجهاز الشاباك (جهاز الأمن الداخلي) بعملية دقيقة، وهما سيواصلان العمل بقوة ضد كل من يحاول أن يمس بأمن "المواطنين" الإسرائيليين".
وفي دلالات هذا الاستخفاف بالدم العربي وتحديدًا الفلسطيني، والدفع بمجرمي الحرب الإسرائيليين إلى ارتكاب المزيد من الجرائم، هو الشعور بالغصة وتجرع مرارة تقارب الفلسطينيين بتوقيع حركتي فتح وحماس اتفاق المصالحة وتشكيل حكومة الوفاق الوطني، وبالتالي رغبة المحتلين في التشويش على الحكومة الفلسطينية الجديدة وإرباكها بارتكاب الجرائم واختلاق المؤامرات وإثارة الشحناء بين الفتحاويين والحمساويين بما يؤدي إلى إفشال اتفاق المصالحة وعودة الانقسام وبالتالي العودة إلى المربع الأول.
ولذلك من المهم جدًّا أن لا يمر هذا المخطط على حركتي فتح وحماس، وتأكلا هذا الطعم، بل عليهما القبض على الاتفاق بالنواجذ وتفويت أي محاولة إسرائيلية تهدف إلى بعثرة الفلسطينيين وتفريق شملهم.