[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/uploads/2016/07/nn.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]عبداللطيف مهنا[/author]
بالنسبة لغزة فهم ينظرون لما يرقبونه بعين الرضا، ولا يُستبعد وضعهم في صورته أولا بأول، ونعني به الحديث عن التوصُّل إلى تفاهمات مصرية مع حماس قد تفضي إلى فتح متدرج لمعبر رفح، وتزويد محطة الكهرباء الوحيدة في قطاع غزة بالوقود... تفاهمات شرطها التصالح مع دحلان، واعتماد ترتيبات وتعاون أمنيين بين الطرفين على الحدود.

على حبل رام الله وغزة المقطوع يلعب المحتلون الصهاينة. توالي تصعيد إجراءات السلطة العقابية للقطاع المحاصر تخدم استراتيجيتهم الأساس فيما يتعلق برؤيتهم للصراع وسبل حسمه لصالحهم، بمعنى فرص تصفية القضية الفلسطينية. من ناحية المبدأ هم مع تعميق القطيعة بين السلطة وحماس، بل بين كل فلسطيني وفلسطيني، وتوسعة الهوة إلى أبعد حد ممكن. لذا هم تلقائيًّا مع هكذا إجراءات. قسوتها المشينة تسعدهم وتشفي غليلهم. لكنهم أيضًا، وهنا تكمن مشكلتهم، يخشون تداعياتها الكارثية لجهة انعكاسها أمنيًّا عليهم، بمعنى انفجار الوضع الذي لا يطاق في غزة، وانفجاره سيكون في وجههم. إنه الآن حديث الساعة الطافي جدله على صفحات وشاشات إعلامهم. 
همً لا يضيرهم الاعتراف بأن القطاع بسبب من حصارهم المردف بعربي وثالث أوسلوي، ولأكثر من عقد حتى الآن، بات يقف على شفا الكارثة، ولا يخفون تحسُّبهم من انفجار يخشونه لإدراكهم مدى تطوُّر إمكانات وقدرات وخبرات المقاومة في القطاع عما كانت هي عليه إبان حروبهم الثلاث الأخيرة المتعاقبة والفاشلة لجهة إسقاط البندقية المقاومة من يدها. هنا المفارقة، أو المعضلة التي بات إعلامهم يعلِّقها على مشجب السلطة وإجراءاتها، في حين أنهم والأميركان والأوروبيين يضغطون عليها لقطع مخصصات أسر الشهداء والأسرى، ولا يتوانوا في الاستجابة لطلبها خفض كمية الكهرباء الشحيحة التي ما زالوا يزوّدون القطاع بها من 120 ميجاواط إلى 70، وتقليص عدد المرضى الغزيين المسموح لهم العلاج في المحتل من فلسطين عام 1948 والضفة الغربية من 2190 قبل ثلاثة أشهر إلى 500، وفي نفس الوقت يحثون الاتحاد الأوروبي على التكفُّل بدفع فاتورة كهرباء غزة لتفادي العواقب الناجمة عن معاقبة مقاومة غزة!!!
بالنسبة لغزة فهم ينظرون لما يرقبونه بعين الرضا، ولا يُستبعد وضعهم في صورته أولا بأول، ونعني به الحديث عن التوصُّل إلى تفاهمات مصرية مع حماس قد تفضي إلى فتح متدرج لمعبر رفح، وتزويد محطة الكهرباء الوحيدة في قطاع غزة بالوقود... تفاهمات شرطها التصالح مع دحلان، واعتماد ترتيبات وتعاون أمنيين بين الطرفين على الحدود، كثرت التسريبات حول كنهها واختلفت التكهنات بشأنها، ما بين المبالغة لاستثمارها سياسيًّا، كما هو حال الدحلانيين، والتحفُّظ تخفيفًا من توقُّعاتها تفاديًا لعاقبة أن لا يتطابق حصادها مع بيدرها، كما هو حال حماس... وهذا يتم بالتوازي أيضًا مع تسريبات عن اقتراب عقد صفقة تبادل للأسرى بوساطة مصرية بين حماس والكيان، والمسألة برمتها لا زالت ما بين التوكيد والنفي لما سُرِّب من قبل الطرفين، لكنما دون إنكارهما للعمل على إتمامها المقترب.
ولأنه كما يقولون لا دخان بلا نار، تحركت رام الله فأوقفت الحوالات البنكية إلى مصر بما فيها الخاصة بالوقود. ربما هذا يفسِّر توقُّف توريد الوقود المصري المتفق عليه لغزة. أما الكهرباء التي تصل القطاع من مصر، والتي لا تتجاوز 28 ميجاواط، فقد توقف وصولها إثر العملية الإرهابية الأخيرة التي وقعت في رفح المصرية... عقاب السلطة لغزة لا يتوقف على ما تقدم، وإنما وإلى جانب تخفيض رواتب الموظفين والإحالات على التقاعد المبكِّر، أوقفت رواتب أعضاء المجلس التشريعي في الضفة من كتلة حماس، أما المتواجدون في غزة فلا يتقاضونها منذ عشرة أعوام. 
خلاصته، يبدو أن هناك حماسا لدى البعض للقطيعة مع غزة، حتى أكثر من المحتلين المتحسبين للعواقب والمردود الخطر على أمنهم لا أكثر، ويتصرف وكأنما قد أسقط مليوني فلسطيني من حسابه...ففي حين أن الحال هو الحال، نقلت صحيفة "هآرتس" أن رئيس وزراء الفلسطيني رامي الحمدالله "سيلتقي في زيارة مجاملة وزير المالية الإسرائيلي موشيه كحلون ردًّا لزيارة الأخير لرام الله" الشهر المنصرم، أو الزيارة التي قالت الصحيفة إنه قد "تبين لاحقًا أنه قد تم التناول فيها لمسألة قطع الكهرباء عن غزة، وإعلان حكومة الحمدالله التوقف عن الدفع مقابل تزويدها بها"، حسب الصحيفة. وأضافت: "ومن المنتظر أن يناقشا الخطوات اللازمة لدعم الاقتصاد الفلسطيني"... ما علاقة الأميركان بكل ما تقدَّم؟!
نشير إلى أن جيسون جرينبلت، مبعوث الرئيس دونالد ترامب، هو للمرة الثامنة في فلسطين المحتلة في سياق مسعاه لإنجاز ما تعرف بـ"صفقة القرن" الترامبية... جبل جرينبلت هذه المرة تمخَّض فولد "خطوة تقدُّم" يمكن حسبانها بامتياز لصالح "سلام نتنياهو الاقتصادي" لا غير. إنها رعايته لتوقيع اتفاق بين المحتلين والسلطة يبيعون الفلسطينيين بمقتضاه 32 مليون لتر مكعَّب من المياه المحلاة في العام مقابل ثلاثين مليون دولار، في حال إتمام مشروعهم المشترك مع الأردن لشق قناة تربط خليج العقبة بالبحر الميت...هذا بينما البائعون يصادرون مصادر مياه الفلسطينيين الطبيعية في الضفة الغربية، السطحية والجوفية، ويقصرونها على مستعمراتهم ويحرمونهم منها، ودون أن ننسى أيضًا أن المياه المحلاة التي سيبيعونها لهم هي أصلًا مياه فلسطينية مسروقة!!! 
...وفي صحيفة "هآرتس" عينها نقتطف من مقال لعميرة هاس زعم فيه ما يلي:
"يبدو أن عباس لا يهتم بالتقارير حول الوضع الكارثي في القطاع بسبب أزمة الكهرباء، أو غياب شعبيته. زعامته ومكانته مستقرتان، بالضبط لأن هذا غير متعلق بالعملية الديموقراطية وبمدى رضا شعبه، بل بالتأييد السياسي والمالي من الولايات المتحدة والدول العربية، الذي يحصل بفضل تمسُّكه بالحفاظ على الوضع الراهن مع إسرائيل"!!!