القاهرة ـ "الوطن":
بعد مرور ثلاث سنوات على ثورات الربيع العربي كان الحصاد الديمقراطي والتنموي مزيد من المشكلات الاقتصادية المرة، فانزوى الأمل في تحقيق ديمقراطية ملموسة مصحوبة بتنمية حقيقية في دول الربيع, وعاشت باقي الدول العربية ممارسات بعيدة عن روح التنمية والديمقراطية، سواء كانت غالبية تلك الدول تحظى بدخول نفطية، أو تعيش مشكلات اقتصادية مزمنة لا يمكنها القيام منها سوى بمعجزات سياسية في المقام الأول.

إشكاليات إيدولوجية
لاشك أن علاقة التنمية بالديمقراطية إشكالية مطروحة على الصعيد الأكاديمي من فترة، ويستدل البعض بتجارب الصين وسنغافورة والاتحاد السوفيتي سابقاً على نفي العلاقة بين الديمقراطية والتنمية.. لكن التعميم بين التجارب الثلاث يحمل الكثير من الخطأ، فالتجربة السنغافورية اتسمت بنمط المستبد العادل.. لكن الدول العربية تحظى بتجارب تتسم بالاستبداد والظلم وإهدار الثروات، كما أن تجربة الاتحاد السوفيتي انتهت بانهياره وتفكك دوله، وانحياز بعضها للديمقراطية الغربية، وبقيت التجربة الصينية التي تحظى بدراسات كثيرة تضمنت هذا الهامش الكبير من اللامركزية في إدارة الاقتصاد، فضلا عن أن الصين أخذت بقدر وافر من قواعد اقتصاديات السوق في بنائها الداخلي، وكذلك في علاقاتها الخارجية، فالفقر من آفات النظم السياسية والاقتصادية الفاسدة، وكذلك الطغيان فهو أكثر وسائل الدكتاتورية في قهر الشعوب، ونزع حريتها في مختلف المجالات، أما إتاحة الفرص فهي أهم سمات العدالة الاجتماعية، وكذلك القضاء على الحرمان الاجتماعي، الذي يؤدي إلى التهميش لبعض شرائح المجتمع.. أما إهمال المرافق العامة فهو دأب حكومات التخلف والتبعية، وبقدر ما كانت فرحة شعوب دول الربيع العربي بالحرية، بقدر ما كانت فرحتها مرتبطة بحلم تحقيق التنمية عبر آليات ديمقراطية متمثلة في برلمانات وحكومات منتخبة يمكنها أن تعبر عن احتياجات الناس وتسعى لتحقيقيها، وتعد التبعية سببا ونتيجة لغياب الديمقراطية في العالم العربي فعلى مدار عقود لم تنجح دولة عربية في كسر التخلف والنفاذ إلى مصاف الدول الصاعدة أو المتقدمة.

تناقضات جوهرية
جل الدول العربية هي دول نامية ومن بين 22 دولة عربية توجد سبع دول في تصنيف الدول الأقل نموًا.. إلا أن أهم مظاهر التبعية الاقتصادية الاعتماد على الخارج في قضايا تتعلق بالأمن الاقتصادي القومي سواء على الصعيد القطري أو الإقليمي، فالغذاء والدواء والسلاح يأتي للدول العربية من الخارج.. ولا تمثل دولة عربية أو سلعة عربية واحدة دور المتغير المستقل، الواقع يظهر أن يكون الأصل أن الدول والسلع العربية تلعب دور التابع لدول، حتى ولو كانت مصدرة لتلك السلع فالنفط أعلى وأشهر السلع العربية تصديرًا، لكنها أصبحت سوقًا للمشترين وليست سوقًا للبائعين.. كما على مدار عقود مضت توالت الحكومات بالدول العربية، لكن لم يخضع أي منها للمساءلة عن الأوضاع الاقتصادية المتدهورة، فما من أزمة عالمية إلا وكان العرب أول المتضررين منها، مثلا أزمة المديونية الخارجية في الثمانينيات كانت تأخذ بخناق العديد من الدول العربية على رأسها مصر.. كذلك أزمة الغذاء التي ألمت بالعالم عام 2006 و2007، عانت منها جميع الدول العربية وما زالت الأزمة قائمة حيث تصل الفجوة العربية في الغذاء لأربعين مليار دولار، وكذلك أزمة الطاقة التي تؤجج الأسعار وترفع التضخم.. كما أن واقع الفساد في الدول العربية بسبب غياب الديمقراطية واضح، فالعديد من دول الربيع العربي طالبت بمعرفة أرصدة حكامها السابقين بالخارج لاستردادها لكنها فشلت.. وقد كانت الهجرة العربية الشرعية وغير الشرعية تمثل معلمًا بارزًا على مدار العقود الماضية بل إن أكبر ما تخسره الدول العربية هو العقول المهاجرة، إلا أن النظم الدكتاتورية العربية تبدي سلوكًا غريبًا وهو الاحتفاء بأبنائها المهاجرين حال تحقيقهم لنجاح بارز على الرغم من أن هؤلاء المهاجرين قد أخذوا على عاتقهم أن تكون ثمار تجربتهم لدول المهجر، إن الديمقراطية والتنمية يكمل كل منهما الآخر، ولا يجب أن ننظر للديمقراطية على أنها شرط كاف وغير ضروري، ففي ظل غياب الديمقراطية غابت المساءلة وترعرع الفساد، وتكرست التبعية، وانطلق الشباب العربي للعيش في دول أخرى, وفضل احتمالات الموت بهجرة غير مشروعة.