[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedaldaamy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]أ.د. محمد الدعمي[/author]
لا يمكن للمرء أن يكون متفائلًا قط عندما يتابع ما يحدث في العراق بوتيرة أكثر تسارعًا مما كان يتوقع المراقبون. إن الرعب الذي حدا برئيس الوزراء التركي إلى الدعوة لاجتماع طارئ لحلف شمال الأطلسي هو رعب مبرر؛ بل وينبغي أن يشاركه به جميع ولاة الأمر في الشرق الأوسط، بين إيران ودول المغرب لأننا نحيا لحظة تاريخية قد تشهد "انقلاب الدنيا"، والعياذ بالله: ففي اللحظة التي تلامس بها قبضة داعش الفولاذية آبار النفط ومنشآته وخطوط تصديره ستفوز هذه المنظمة الإرهابية، ليس على "النظام السوري" أو "النظام العراقي"، بل على العالم بأسره، لأنها بالنزر اليسير من النفط المتاح شرق سوريا قفزت إلى العراق وستبقى تقفز من موضع لآخر حتى غرس بيارق القاعدة والإرهاب الذي تحمله الآن في كل مكان! لن أبالغ إن زعمت أن وصول هؤلاء إلى حقول النفط سيغير التوازن العالمي القائم.
النفط هو "الورقة الرابحة"، إن صح التعبير في سياق سوداوي محبط كهذا. أما إذا ما كان هذا النفط غزيرًا وقابلًا للتصدير، فسينقسم العالم إلى معسكرين: الأول يرفض ابتياع النفط من الإرهاب؛ أما الثاني، فسيتساهل ويصطنع مبررات وشعارات سياسية مرحلية لتسويغ شراء النفط من الإرهابيين بسبب تعطشه وحاجته القديمة والمزمنة له. وهكذا ستنقلب الموازين والمعايير على النحو البراغماتي الذرائعي الذي سيلغي ما هو سائد من قيم دولية تغذيها الأمم المتحدة والدول الكبرى، لأن هذه القيم في نظر القاعدة وداعش ومن لف لفها تبدو قيمًا غير عادلة أنتجت عالم غير متوازن، حسب خط التفكير الإرهابي.
وتبقى الآن قائمة الخاسرين المباشرين من لحظة ظفر داعش والمتحالفين معها بحقول النفط بالموصل وكركوك وسواهما من بقاع شمال العراق، وهم: (1) الأكراد الذين صار حلمهم القومي قاب قوسين أو أدنى بسبب تواهن المركز ببغداد وخضوعه لأمراض الحكم غير الرشيدة، كالفوضى والفساد وهيمنة اللصوص والمختلسين وشذاذ الآفاق على مرافق الدولة. (2) أما الخاسر الثاني، فهي هذه الدولة التي ستجد نفسها هدفًا ثانيًا تريد القاعدة وداعش سحقه. ومن ثم، تأتي الأهداف الإقليمية تترى، الواحدة تلو الأخرى، بلا رحمة. و(3)، تأتي المصالح الأميركية والغربية عامة، ليس فقط لأنها المسؤولة عن بقاء الأنظمة الحاكمة في الشرق الأوسط، حسب نظر الإرهابيين، ولكن كذلك لأنها المسؤولة عن اختلالات العالم بأسره، ابتداءً من وجود إسرائيل وانتهاءً برؤيا عالم ملتهب تسوده قيم الفوضى واللاعدالة، حسب رأي الإرهاب كذلك.
إن دول الإقليم هي بدرجة من التشرذم الذي تخترقه الخصومات والنزاعات المرئية وغير المرئية التي لن تمكنها من اتخاذ موقف صلب وموحد إذا ما واصلت داعش تقدمها إلى بغداد أو حاولت مفاجأة العالم بمناورة غير متوقعة وباتجاه غير متوقع. لذا، وفي مثل هذه الفوضى وتداخل الخطوط والألوان لن تجد الولايات المتحدة الأميركية مبررًا للتورط في مستنقع الشرق الأوسط: وكما فعلت في سوريا، فإنها ستفعل في العراق، أي أنها لن تسمح بقوات أميركية على الأرض قط. ستتعامل واشنطن مع تعقيد العراق بطريقة الألعاب الإلكترونية، عن بعد!